ليت الشتاءُ يستمر للأبد ... بأجوائه وأمطاره وضبابه وغيومه وعواصفه ... بإحساس الاختلاف الذي يُضفيه علي كل شيء , فالانطلاق في الشتاء يختلف عن الانطلاق في غيره , حتي كوب الشاي الدافئ في الشتاء له مذاق وتأثير رائع يختلف عن باقي فصول السنة ... ديسمبر ... يجعلني أشعر بقيمة كل شيء , أتوق لتَحَسُّس قطرات المطر المنهمرة التي تغمُرُ قلبي تفاؤلاً واستبشاراً ... أدخُلُ في سحابةٍ ضبابية لا أري فيها سوى الغموض وأجدُني فجأةً وقد دخلت من عالم الصَخَب إلي عالمٍ آخر لا يسكنه سواي , ولا أري فيه أبعد من موطئ قدمي , عالم من السكينة والتأمُّل والصفاء النفسيّ ... أنظر للسماء بغيومها الداكنة , أستطيعُ حقاً أن أري تفاصيلَ تلكَ الصفحةِ البيضاء الشاسعة , التي تغطي كَونَنا المحدود , والتي لا نقدِرُ معظم الوقت علي اختراقِ خصوصيتها لشراسة حارسها الدائم "الشمس" والتي تمنع أعيننا من استراق النظر إلي السماء إلا في أوقاتٍ مُحددة فقط كالغروب والشروق ... أستمعُ إلي سيمفونيةٍ طبيعيةٍ تعزفها الرياح علي أوتار النوافذ الصامدة , فأعلمُ أن هناكَ أنغامٌ لايصنعُها البَشر , أنغامٌ تعبَثُ بقلبي وتثيرُ وَحشَتَه ... أستيقظُ في الصباحِ الباكِر , أشعُرُ بتلك القشعريرة المُنعِشة للجو البارد , تُزيدُ نشاطي ورغبتي في الإسراع لَمُلاقاتها ومُداعَبَتِها بقَلبٍ مفتوح , وأوصالٍ يدُبُّ فيها النشاط.
حتي السريرُ الوَثيرُ في الشتاء يختلفُ عن غيره ... فهو لم يَعُد مكاناً روتينياً نقصده فقط لأداء وظيفة بشريّة طبيعية لابد منها , بل هو ملجأٌ من البرد القارس نشتاقُ إليه ونركُضُ من أجل الغَوصِ في دفئه والاحتماء به ... حتي المشروب الساخن التقليدي اليومي لم يعُد يملأُ فقط بطونَنا , بل يغمُرُنا بالسكينة مع كُلِّ رشفةٍ تتسلَّلُ إلي أعماق أجسادنا المُرتعشة , فتُهَدِّئُها وتُعيدُ إليها مُرونَتَها وإيقاعَها الطبيعيّ.
كُلُّ شيءٍ يتحَسَّنُ في الشتاء ... كُلُّ شيءٍ يَتَبَدَّلُ في ديسمبر.
فدوى نزار
كُلُّ شيءٍ يتحَسَّنُ في الشتاء ... كُلُّ شيءٍ يَتَبَدَّلُ في ديسمبر.
فدوى نزار