Saturday, November 14, 2015

الحُب لا يصنع المعجزات

طالما أعجبتنى تلك الروايات والأفلام التى تُرَوّج لفكرة أن لا مُستَحيل مع الحُب , وأن الحُب يمكنه تغيير أى شيء وكل شيء ... الجميلة التى تجعل الوحش أمامها كالحَمَل الوديع , "مارى رايلى" التى جعلت السفاح القاتل ينتحر خوفاً عليها من نفسه - قتل نفسه حتى لا يؤذيها أثناء ثورته وغضبه - "إيزابيلا" البشرية التى وقفت بين مُستَذءَب ومصاص دماء فمنعتهما من الاقتتال لأنهما يحبانها .. وما إلى ذلك من أساطير , كنت أعتقد - أو أتمنى - أن تكون حقيقية 

مع مرور الزمن , أدركت أنها خيالات , أحلام لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع وبالتالى تتحول لروايات وأفلام وأشعار نشاهدها لنقنع أنفسنا أنه يوجد فى هذا العالم ما يُسمّى بالحُب وأن هذا الشيء الخُرافى لا يُقهَر ... فالحُب فى الحقيقة لا يصنع المُعجزات .. لا يُغَيّر الأشخاص ولا يصمد فى أى مواجهة ... الحُب على العَكس شعور ضعيف يقتله كل شيء ! تقتله الغيرة العمياء ويقتله البُعد ويقتله الشك وتقتله القيود ويقتله التَحَكُّم ويقتله التَمَلُّك ويقتله الحُزن وتقتله القسوة .. الحُب أضعف من أن يخلق التفاهم والسعادة والثقة والتسامح والراحة والسلام النفسى .. الحُب وحده لا يكفى للشعور بالأمان والاستقرار والحماية .. الحُب لا يُوَفّر صدراً يحتضننا ولا كتفاً نستند عليه وقت الحاجة .. الحُب لا يمنع الوحدة - بل يزيدها - لا يقضى على التوترات - بل يضيف إليها - لا يتفادى المُشاحنات - بل يختلقها - ... الحُب قد يكون العدو الأخطر لراحة البال

الحُب مثل المُخَدّر , يعطى شعوراً مؤقتاً بالسعادة الزائفة ثم لا يلبث أن يختفى أثره ليترك المرء يصارع أعراض الإدمان  .. من يؤمن بالحُب عليه أن يستعدّ دائماً للخذلان

الحُب اختراع نخدع به أنفسنا لنقنعها أن القادم أفضل وأن كل مشاكل الحياة ستُحَل بمجرد الوقوع فى الحُب , أو أننا حالياً نُعانى لأننا لم نختبر هذا الشعور بعد... الحُب مُجَرَّد كلام

لا أُنكر أن بعضاً منى لايزال يرغب فى النهاية فى العودة للزمن الذى كنت أرى فيه الحُب طوقاً للنجاة ... ولا أستطيع أن أُجزم أننى سأضع أسلاكاً شائكة على قلبى حتى لا يصل إلى بابِهِ أحد ... لا عِلم لى بالمُستقبَل, ولكن فى هذه اللحظة من الحاضر سأكتفى برؤيتى للحُب فى الروايات والأفلام كقصص الخيال العِلمى ... إلى أن يَثبُت العَكس

فدوى نزار



نحن شعب تعَوَّد أن العمل لا يُصبحُ فَنّياً إلا لو امتلأ بالحُزن والكآبة .. بالدراما ... فالقصة لا تكون واقعية من وجهة نظرنا إلا لو عانَى أبطالها من مشاكل مُعَقَّدة لا تنتهى إلا فى الصفحة الأخيرة من الرواية أو الحلقة الأخيرة من التمثيلية أو الدقيقة الأخيرة فى الفيلم ...عُمر المأساة أطول كثيراً من لحظات الأَمَل , ومساحة الابتلاء أوسع من حجم النِعَم ... خَلَقنا بأيدينا نَمَطاً من الأَسَى لا نقتنع بإمكانية الحياة بدونه , أصبحنا نستمتع بمشاهدة أنفسنا نتعذّب ونُهدِر ما لدينا من طاقات وأعمار فى انتظار النهاية السعيدة ... قد نُهمِل السعى (على اعتبار أن الفَشَل من أساسيات الحَبكة الدرامية) قد نَرضى بأوضاع مُرهِقة ومؤلمة وشاقة نفسياً ومادياً وبدنياً ونتعلل بوجوب الرضا بالقضاء والقدر وحتمية قبول النصيب) نخشى التغيير والمخاطرة (فحالنا أفضل من غيرنا , فلِمَ نغامر أو نتقدم .. هناك فى هذا العالم من يحسدنا على ما نحن فيه وبالتالى لا يجب التطلع لما هو أفضل) ... نعتبر كل محاولة للتغيير بَطراً للنعمة , وننسى أو نتناسى أن من مظاهر شُكر النِعمة تنميتها , فمن أنعم الله عليه بهوايةٍ ما مثلاً, يجب عليه ممارستها وتطوير ذاته فيها , والعناية بها كنوع من عرفانه بفضل الله عليه.



حوّلنا مبدأ الاستمرار فى فعل شيء ما وقبول عيوبه ونتائجه وذبول زهرة شبابنا فيه إلى رمز للوفاء والمُساندة وعدم التخلى عن الآخرين , رغم أننا بهذا نخذل أنفسنا بالدرجة الأولى ونخسرها تدريجياً حتى لا يصبح لوجودها هدفاً إلا إرضاء الآخرين ودعمهم وتغليب مصالحهم ومكاسبهم على حساب أرواحنا وطموحاتنا وحماستنا وسعادتنا



معظمنا مريض بحُب تعذيب الذات (إلا من رحم ربّى) .. لا نصدّق أن بإمكاننا اختيار الطريق الأسهل أو الأفضل , بل نقنع أنفسنا ومن حَولَنا أننا مُسَيَّرين ولا نملكُ الحقَّ فى إدارةِ دفةِ حياتنا كما نريد ... لا نُدرِكُ أن مفاتيح سعادتنا ونجاحنا فى أيدينا ونحن فقط من نملك تحديد مصائرنا ورسم ملامح مستقبلنا , ولايجب أن نستمر فى أحزاننا بإرادتنا ... إذا شعرت بالحزن والألم لا تنتظر بطلاً يحملُ عصاً سحرية ليُعلِن نهاية معاناتك فى ختام رحلتك لأنه حتى فى أفلام السينما عندما تُحَل جميع المُشكلات (حلاً غير منطقىّ فى معظم الأحيان) يكون الفيلم قد انتهى .. فقد ينتهى عمرك قبل إسدال الستار وقبل كتابة النهاية السعيدة.



كفانا ما عَهِدنا من طاقاتٍ سلبية , ولنتفكر فى قول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ... لِمَ لا نُجَرِّب التفاؤل وإحسان الظن بالله ونكتب لأنفسنا بأيدينا قصصاً مُبهِجة يعيش أبطالها فى سعادةٍ وتألُّق وإيجابية وسعى وتجديد واطمئنان ويقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً * ... فلنجعل أيامنا كلها سعيدة وليست النهايات فقط ... فلنترك الدراما ونعيش الواقع.





فدوى نزار