Saturday, May 23, 2009

أمنية


كم أتمني السير فوق كوبري قصر النيل أثناء استقبال أولي لحظات اليوم الجديد ووداع بقايا اليوم الحالي ...
أسير فوقه , وأرشف من إحساس الحرية والانطلاق المتماشيان مع المنظر اللا محدود للنهر الصامد , أظل هناك إلي أن تأتي خيوط الفجر لتُكمِلَ رونقَ الصورة البديعة التي تجمع بين الجمال الطبيعي والمُستَحدَث
نعم .. فها هو النهر الأسطوري الخالد إحدي معجزات الطبيعة التي خلقها الله تعالي واستأثَرَنا بها .. وها أنا ذا أنظر إليه من أعلى لحقيقة كوني أقف فوق رمزٍ للتطور في علم البناء الحديث يسمي "كوبري"
أري السفن الضخمة والمراكب وقوارب الصيد تقطع صفحة النهر الهادئ , مثلما أري السيارات الفارهة والشباب الحالم والفقراء المساكين كلٌ يسير فوق "الكوبري" في اتجاهه المنشود يفكر في حياته وعالمه.
يزدحم المكان وتتسارع خُطى البشر وتتفرّع اتجاهاتهم كالدماء يضخها القلب لتسري في كل أنحاء الجسد.

هل فكرتم يوما أن أعظم تجربة في عُمرِ الإنسان أن يقف في سكونٍ تام يتأملُ حركة البشر من حوله ... يشاهد كل التفاصيل الدقيقة التي تُكَوِّنُ الصورة الواسعة لعالمه المحدود ... ليس فقط بغرض المُشاهدة بل بغرض الإدراك والتعلُّم والاعتبار ... وقد تمر عليه ساعات التأمل تلك وكأنها مجرد لحظات استغراق يسترد وعيه بعدها ليُكملَ مسيرته بعد أن أشبعَ روحه بالسكينة والهدوء ليشعُرَ أنه ارتفع فوق كل الاعتبارات المادية ... وأنه قد امتلأ بالأمل والثقة وأصبح أكثرَإقبالا علي الحياة وأكثرِ قدرة علي فهم أسرارها
..... لهذا .... تتوق كل جوارحي لمشاهدة العالم ... من فوق كوبري قصر النيل

فدوى نزار

Sunday, May 3, 2009

أن تعشق كتابا تقرأه


حين تبتاع كتابا ..فإنك للوهلةِ الأولي تعتبرْه لغزاً مبهَماً .. لا تدري علي وجه التحديد مدى استحقاقِه للساعاتِ التي ستقضيها معه
هل ستضيعُ تلك الساعات عبًثا , أم سيأخُذْكَ الكاتبُ معه في رحلةٍ عبر عالمِهِ الخاص ومنظورِه الشخصيّ يسقيك خلالها من كأسِ تجاربه ونتائجَ بحثه في اتجاهاتٍ قد تكونُ جديدة تماما بالنسبة لك

تسبحُ معه بين أمواجِ كلماتِه المتلاطمة التي تتقاذفُك بين طيّاتها غيرُ عابئةٍ بآرائك أو أحاسيسك تجاهها في ذلك الوقت .. لا يهمها ما إذا كانت ستقتلك أم ستنعشُ رأسَك الثائر وتطهرْه وترتب أفكاره

هذا الكتاب الذي تشعر مع كل صفحة تطويها برياحٍ عاصفة تكادُ تجتاحُ مملكتك دون إذنٍ مسبق منك , تجتثُّ معها كلَّ انفعالاتِك ومشاعرك المتخبِّطة , وتنسج منها لوحةً غير منتظمةِ المعالم تنتشر علي صفحة السماء اللا نهائية

أحيانا ... تمر معه بفترات من السكينة , تنساب روحك كقاربٍ فوق سطح المياه الهادئة يحمل عاشقَيْنِ هائمَيْنِ في تلك المعزوفةِ الأسطورية من المشاعر السامية غير عابئَيْنِ بالحدودِ التقليديةِ للزمن

تقلّبُ صفحاته الواحدةَ تلو الأخري حتي تجدَ نفسك كمن يحيا في عالمٍ آخر لا يسمعُ فيه سوى كلمات المؤلف تتراقصُ أمام عينيك , وصوتُ السكونِ يخترق حواجزَ رأسك, ولوْحاته الخيالية تسيطر علي كل جوارحك

ترتبطُ بسطورِ الكتاب كعاشقٍ تتسارعُ دقاتُ قلبه وتتقطع أنفاسه عند رؤية مُلهِمته , تشتاقُ لرؤيته كمسافٍر يقطع الدروبَ عدواً من أجل رؤية من يحب

تدرك دون شك أن هذا الكتابَ قد نجح في تعليمك أثناء قراءته ما قد يأخذ عمراً بأكمله لتعلمه , فالكتاب نِتاجُ سنوات وسنوات من عمر كاتبه يقدمُها لك بين طياته ليتركَ لك فقط مسئولية إدراك رسالته وفهمها , لتجدَ روحك وقد اغتنمت بعد بضعة كتب تجارب العديد والعديد من البشر , وذهبت معها إلي أماكنَ لا حصر لها , وشاهدْت بين صفحاتها لوحات نسجَتها مخيلتُك بناءا علي وصف المؤلفين المبدعين

تغلق الكتاب ... وتعود للعالم الصاخب المزدحم , يعودُ البشرُ المحيطين بك للظهور حولَكَ من جديد , تترامَي الأصواتُ المبعثرةُ لتشقَ حاجزَ الصمت الذي بدأ ينقشعُ تدريجيا من محيطِ أذنيك , تعود من رحلتك الفكريةِ لتستقرَّ في موقعك بين باقي البشر , تهدأُ أنفاسُك ويتباطأ اندفاعُ الدماء في جسدك , تهبط من سمائك الخيالية إلي أرض الواقع ..... وتبدأ في مواصلة حياتك من جديد , حاملا معك كلَّ دروسك المستفادة , ومحتضنا إياه بين راحتيك ... معشوقك الأبدي ... الكتاب


فدوى نزار