Sunday, May 29, 2011

وطني وصِباىَ وأحلامي


الوطن ...

كنت دوما اتساءل عن مفهوم الوطن ... وما الذي يجعل مكانا أو بلداً معيناً "وطناً" للمرء دون باقي الأماكن .... ولِمَ ينبغي علي الإنسان (أو يكون متَوَقعاً منه) أن يحب وطنه ؟؟ ... ما الذي يمكن أن يدفعنا لحب وطننا

لم اتخيل أبداً أن تأتيني إجابة تساؤلاتي "دُفعةً" واحدة , وعلي طبقٍ ذهبيٍّ مُزَركش فحواه تتلخص في جملة تحمل بين طيّاتها كل معاني الخبرات والتجارب الحياتية ... جملة تُشعِرُ من يمرُّ بها بكل أنواع المشاعر المختلطة والأحاسيس المتباينة ... "الانتقال للعَيش في مكانٍ آخر"

بالفعل مررت بتجربة الانتقال تلك ثلاث مرات سابقة ... ولكني لم أشعر بقوة وتأثير هذا الحَدَث سوي هذه الأيام ... في المرة الرابعة !! .. ليس فقط لكوني سأنتقل من منزل لآخر , تاركةً ماتحمله حوائط وأركان وأبواب ومنافذ المنزل من ذكرياتٍ ولحظات ... بل لأني أيضا سأترك بلدةً بكل ما تُمثله لي من دفءٍ وأمانٍ وحميمية ... سأغادرُ جيراني وأماكن دراستي ولعبي ... سأبتعد عن أصدقاء عمري ... عن نفسي التي عرفتها طيلة السنوات الماضية .... سأترك جزءا كبيراً من نفسي مع كلِّ موقعٍ شهِدَ كلمةً أو حركةً أو لحظةً من حياتي ... لا أعلم حتى ما إذا كان سيبقي لي من نفسي شيء أم أنني سأتركها بأكملها خلفي .. وأعبر فوق جسدِ ذكرياتي الخالدة إلي المستقبل المجهول.

نعم أعلم يقيناً أن ذكرياتي ستبقي معي إلي الأبد .. وسأحملها في قلبي وعقلي حيثما أكون , ولن يستطيعَ أحدٌ أن يسلبني تلك اللحظات مهما طال الزمن
وأعلم كذلك أن ما أنعم الله به عليّ من صداقات تمتد جذورها لأولي أيام طفولتي .. أعلم أنها ستبقي وتدوم ولن تتمكن يد الأيام من طمس معالمها أو إضعافِ صمودها

لكن ذلك اليقين الراسخ لن ينفي أبداً إحساسي بالغُربة والذي لا أعلم كم سيطول



الصداقة ...

ليست كلمة بقدر ما هي بحرٌ واسعٌ من المعاني الراقية ... لا يمكن لِلُغَةٍ وصفها أو التعبير الحقيقي عنها ... هي واحدةٌ من أسباب صمودنا في مواجهة تقلُّبات الحياة .. وسلاحٌ يعينُنا علي التغلُّبِ علي الكثيرِ من الصِعاب ... هي بلا شك إحدى نِعم الله علينا

وقد وهبني الله خلال أيامي بعضَ الصداقات التي لا أتخيل (ولا أرغب في أن أتخيل ) كيف كنت سأحيا وكيف كنت سأُكمل طريقي في هذا العالم الموحش بدونها.

فهناك تلك الصداقات التي بدأت واستمرت لعدة سنوات أكاد _من طولها_ لا أتذكر عددها ... وهناك الصداقات التي نشأت بين ليلة وضحاها ولكنها بفضل الله صامدة قوية لا جِدالَ علي بقائها .

حين أحاول تذكُّر موقفٍ ما لأصدقائي أجدهم معي في كل الذكريات وكل اللحظات .. فهم من يحبّوني, يقفوا بجانبي , يواجهوني, يصارحوني, يعاتبوني, يشاركوني أحزاني وأفراحي, يسعَدون من أجلي بكل صدق, يتمنون ليَ الخيرَ من قلوبهم, يبادلوني كل المشاعر البريئة السامية الصادقة .

حقيقةٌ واحدةٌ أثق بها في هذا الصدد ... وهي أن تلك الصداقات ستبقي أبد الدهر , ومهما انتزعتنا مشاغل حياتنا من أنفسنا ... ومهما زادت المسافات الفاصلة بين أماكن تواجُدنا.


الاغتراب ...

ذلك الشعور البغيض بأنك لا تعرف أي شيء مما حولك .. لا تجد نفسك في أي موطئ تطاله أقدامك .. تفتقد الأماكن والأصوات والأشخاص وحتي الهواء "المُختلف" الذي اعتدت استنشاقه .. تتمني الهروب من المجهول المحيط بك إلي الأمن والطمأنينة والهدوء الذين تركتهم خلفك حين رحلت

ذلك الغموض الذي يغلّفُ كلَّ شيء ... وتلك الوحشة القاتلة


فدوى نزار

Monday, May 16, 2011

هل حقا نعرف الآخر ؟! ... إليك أعني واسمعي يا جارة

بطبيعة نشأتي وحياتي في الريف المصري الأصيل , أصبحت أشعر أن مصر لا تنقسم فقط بالحدود السياسية المسماة "محافظات" ... بل إنها تنقسم إنسانياً إلي سكان القاهرة وسكان المحافظات (والقاهرة هنا تشمل مجازا محافظات القاهرة والجيزة وما يجاورهما .. بينما المحافظات تحمل في طيّاتها الدلالة علي الريف المصري ... أطراف القارة المصرية مترامية الأطراف)

فسكان القاهرة يعتبرون أنهم أهل الحَضَر بينما يعتبرون سكان الريف هم أهل القُرى (وما يتبع ذلك المفهوم من اعتقاد راسخ بأن القاهرة هي فقط موقع العلم والمعرفة والصناعة وكل أشكال ومؤهلات التقدم , وأن الريف المصري يعيش في قرية معزولة عن العالم الخارجي منهمكين في الزراعة وتربية الحيوانات ولايملكون ما يدفعهم للسعي للعلم أو المعرفة ... مما يضع أهل القاهرة في مكانة العالم الأول , وأهل القرى في موقع العالم الثالث)

هذا المفهوم (الخاطئ) جعلني أُدرك سبب اعتقاد سكان قارة أوروبا (حين كنت هناك عام 2004) بأن سكان مصر ماهم إلا رعاة أغنام يركبون الجمال ويرتدون العباءات السوداء ويعيشون في الخيام .... كنت من قبل أتخيل أن سكان القاهرة لا يعبأون بالتعرف علي الريف المصري , وأنهم يحكمون علينا (سكان الريف) حكما خاطئا دون أدنى محاولة للفهم أو تحرّي الموضوعية في البحث ... وكنت أري سكان القاهرة في موقف العاجز ... الذي يتحدث عما لا يعرفه , ويتمادى في المجاهرة بجهله .... وكنت أسخر منهم لمعرفتي (اليقينية كإحدى سكان القرى) بأننا مثلهم تماما في التقدم بل إننا نزيد عليهم في احتفاظنا بالأصالة والمودة التي تخلوا منها شوارع وميادين القاهرة.

حين فوجئت بالمفهوم الأوروبي عن مصر وشعبها (وحين فوجئوا هم بأننا _سبحان الله_ بشر مثلهم نرتدي ملابسهم ونتحدث لغتهم وندرس نفس علومهم ) حينها فقط أدركت أن المشكلة تكمن فينا نحن (شعب مصر) لأننا لا نستطيع الترويج لأنفسنا , ولم نحاول تغيير مفاهيمهم عملياً ... وأن مكانتنا التاريخية جعلتنا نُعلن للغرب فقط عن الأهرام والآثار والخيول والجِمال , ما جعل أهل الغرب يتصوَّرونا فراعيناً نحيا في زمن ما قبل التاريخ

نفس خطئنا (أهل الريف) حين تركنا سكان القاهرة يعتبرونا زُرّاعاً نحيا في الحقول ونركب السيارات التي تجرُّها الدواب (أو نركب الدواب نفسها إذا لزم الأمر) , ولم نحاول أن نعلن عن تقدمنا ووعينا وتحضُّرنا , فأصبحنا نعيش حياةً مزدوجة رغم كوننا نلتحف نفس السماء ونفترش نفس الأرض

أعتقد أن معظم مشاكل حياتنا كمصريين تكمن في فشلنا في فهم الآخر (سواء نتيجة تقصيرنا نحن أو تقصير الآخر في حق نفسه) ... النتيجة أننا نعيش في عالم واحد دون أن ندرك أبعاده وتفاصيله الدقيقة , ورغم هذا نريد تحقيق الاستفادة الكاملة من عناصره ... فكيف لنا هذا ؟!
كيف أتعامل مع شخص لا أعرف عنه شيئا , كيف أحكم علي إنسان لم أتعامل معه من قبل , كيف أقفز لنتائج معادلة لا أملك معطياتها.

فدوى نزار