Wednesday, April 16, 2008

الجمال

كم هو ضئيلٌ هذا الإنسان .. كم هي تافهةٌ تلك الأحداث التي يراها أهوالاً .. كم هو مجنونٌ ليعطيها كل هذا القدر من تفكيره ووقته ويبني عليها آلاماً مُزَيَّفة .. وياله من عبثٍ ذلك الشعور المُصطنع من الحزن والأسي علي أشياء ما هي إلا من صنع ذلك الإنسان بنفسه .. فهو من يرى المواقف الصغيرة في هيئة مشكلات , ثم يضخِّم المشكلات لتصبح ضغوطاً , والضغوط لمآسٍ ينهار هو نتيجة لها .. فيصبح دون أن يدري .. أو دون أن يعي أنه يدري .. يصبح هو قاتل نفسه ومعذّبها.
آآآآآآآه .. آهٍ لو يدرك الإنسان مدي ضآلة حجمه .. آهٍ لو يدرك مدى هوان كل ما يمر به منمؤثّرات .. آهٍ لو يمتلك ذلك اليقين بأنه فانٍ هو وكل ما حوله , وأن الدنيا جميعها إلي زوال .. آهٍ لو يصلُ لتلك الدرجة العالية السامية من الارتقاء بعمره فوق كلّ الأمور التافهة .. آهٍ لو يُعطِ كلًّ شيءٍ ليس أكثر من حقه , ويري الأمور بأحجامها الطبيعية التافهة الهزيلة التي لا ينبغي أن يعيرَها أدني اهتمام .. آهٍ لو يدركُ أنه لا يوجد في الحياة ما يسمي بالهموم , ليس لشدة رفاهية الحياة , ولكن لشدة ضآلة وهَوَان مُجرَيات الحياة .. آهٍ لو يدركُ أنه ليس سوي حلقة في المنظومة الكونية المدروسة , وأنه يعيش أياما معدودة لن يري فيها أكثرَ مما كُتِبَ له منذ تقرّرَ انضمامه لتلك الحقبة من عمر الكون.
وما أجمل يوم يستيقظ فيه الإنسان وقد امتلك صفةً سحريةً تجعله يقضي مابقيَ له من أيام في أسعد صورة يمكن أن يصل لها آدميّ .. تلك الصفة النادرة التي يصعُبُ التمسك بها والسيطرة علي انفعالاتنا من أجلها ..الصفة التي إذا وصل الإنسان لمثلها فلن يشقي بعدها أبدا .. الرضا .. الرضا بما كتبه الله له .. واستقبال وتقبُّل كل ما يحدث بنفسٍ سعيدةٍ راضية بقضاء الله , مؤمنة بعلمهِ الواسع , وواثقة بأن إرادة الله دائما فيها كل الخير , وأن الإنسان سيصل لذلك الخير إن آجلا أو عاجلا حتي لو لم يعِ تلك الفكرة في حينها .
الإنسان ما هو إلا وديعة مملوكة للخالق عز وجل .. لله أن يفعلَ بها ما يشاء .. وللإنسان أن يختارَ كيف يحيا في هذه الدنيا إلي أن يسترد الله وديعته .. فإما يعمل المرء عملا صالحا ويجتهد ويرضى بعدها بما يقضي الله عز وجل ويجد حينها نفسه وقد وصل لقمة السعادة والتصالح مع النفس ,
أو يسخط ويري نفسه دائما موضِعَ رَثاء , ويظل عمره يحارب استمراره بنفسه , ويخطُّ بيده قصةَ شقاءٍ وبؤسٍ ومعاناة تنتهي حتما بموت السعادة داخله نهائياً.
فأي طريق نختار ؟! وأي حياة نريد أن نحيا ؟!
وأتذكر قولا سديدا يشبه ذلك الصدد .. ألا وهو :
كن جميلا ترى الوجودَ جميلا

فدوى نزار

http://one--all.blogspot.com

Tuesday, April 8, 2008

التشجيع

تلك الكلمة السحرية التي لا غني عنها علي مر العصور وفي مختلف المواقف .. الكلمة التي تدفع المُتلقّي لبذل أقصي طاقاته في سبيل تحقيق أهدافه .. تلك الكلمة التي ليس بالضرورة أن نسمعها مجَرّدة كما هي , ولكن قد نستشفّها من تصرفات المحيطين بن.. فقد تأتي علي صورة اهتمام من الآخرين بما نفعل ومداومة سؤالنا عن التطورات .. أو قد تكون إحساسنا بمشاركتهم لنا في بعض التفاصيل المهمة .. أو هي محاولاتهم لدعمنا بشتي الطرق ... وهكذا.
فالتشجيع قيمة سامية لايمكن الاستغناء عن تبادلها مع الآخرين كما يصعُب الاستمرار بدونها ..فإذا لم يجد المرء ما يشجعه علي القيام بشيء ما سيتسلل إليه اليأس والشعور باللا جدوي في لمح البصر ولن يجد من يدفع عنه عنه رغبته في الاستسلام ويعيد إليه ثقته وإصراره علي النجاح فيما يَهدِفُ إليه...
كما أن التشجيع قد يجيء بشكل غير مباشر وبطُرُقٍ عجيبة .. فقد يرى الإنسان مشهدا يوقظ لديه العزيمة والإرادة .. فمثلا .. شاهدت في يوم ما .. عُصفورا .. يحاول حمل قشةٍ ليبني بها عُشّه .. وكانت قشة ضخمة "بالنسبة له" وكان كلما حاول حملها تسقط منه مجددا .. وهكذا ظل مرارا وتكرارا يحاول الظفر بتلك القشة دون كلل أو ملل .. وكنت في كل مرة أتخيل أن ذلك العصفور سيتوقف عن محاولاته العبثية المضنية ويذهب للبحث عن قشة أخري صغيرة يمكنه حملها .. ولكن العصفور المجتهد قويّ العزم نجح أخيرا في حمل قشته وتحقيق غايته .. وترك في نفسي بالغَ الأثر .. فلإذا كان العصفور الصغير لم ييأس ولم يشك في قدراته .. فحريٌ بي وببني البشر أن نُزيدَ إصرارنا ونثق في قدراتنا التي التي منحها الله لنا .. ونَصِلُ بها لأقصي درجاتها .. وألا نيأس أو نفقد الأمل , بل نَتَيقَّن تماما من أننا في يوم ما سنحقق ما نصبوا إليه مهما بذلنا من مجهود ومهما تعرضنا للصعاب والمُعَوِّقات.
فإذا لم نجد شخصا يشجّعنا .. فلنتأمل في خلق الله .. لأن فيه كفايتنا من التشجيع والعِظات والآيات القادرة علي تغيير مسارات حياتنا .
ولنجتهد ونعمل ونثق في أن الله لا يضيعُ أجرَ مَن أحسَنَ عمَلا .


فدوى نزار

Thursday, April 3, 2008

لو كانت الوحدة رجلا...

أحيانا "مش عارفة إيه كلمة أحيانا دي .. كتيير جدا ببدأ كلامي بيها وكأن اللغة العربية مافيهاش غير كلمة أحيانا المهم ماعلينا"

أحيانا يخيم علي الإنسان شعور مؤلم بالوحدة رغم وجوده الدائم بين أهله وأصدقائه ومعارفه .. يشعر بأنه بمفرده في هذا العالم الواسع .. الذي يزيد من إحساسه بالوحشة .. وكأنه يسبح بمفرده في تيهٍ مظلمٍ قاسٍ لا روحَ فيه ...ويظل يصارع الدوامات الشرسة طوال تلك المرحلة من عمره , مما ينهكه ويدفعه للاستسلام وانتظار قَدَره المحتوم الذي قد يحمل معه الخلاص.
يشعر الإنسان بدورانه في حلقة لانهائية من الأحزان التي تعتصر كل جوارحه ..وما يُدمي قلبه حقا هو أن يجد نفسه بعد كل هذا العمر وكل تلك العلاقات والصداقات .. يجد نفسه مايزال وحيدا لا يجد من يحتويه في ألمه ويخفف عنه وطأة وحدته .
وما يضخِّم المأساة , وقوع هذا الشخص أثناء مروره بتلك الفترة في ظروف من الوحدة الفعلية .. لأي سبب أو ظرف .. فيجد نفسه وحيدا معنويا وفعليا .. فلايجد من يقف إلي جواره وقت محنه .. ولايجد من يستمع إليه وينصحه .. ولايجد حتي من يهتم به ولو حتي علي سبيل المجاملة .. فيشعر إلي جانب الوحدة بالإهمال وعدم اكتراث الآخرين بوجوده .. يشعر أنه قد يأتي يوم يرحل فيه عن الدنيا دون أن يشعر به أحد أو يفتقده أحد .. يشعر تدريجيا بفقدان الحياة لقيمتها ومعناها .. وتبدأ رأسه تعصف بالأسئلة المُحيِّرة .. لِمَ أهتم بمن حولي إذا كانوا هم لا يكترثون حتي للسؤال عليّ .. لم ألتمس لهم الأعذار ولايوجد بينهم من يغض البصر عن سهوي ... لم أشعر بالقلق عليهم والاشتياق لهم ويبحثون هم عن المبررات لتَركي والابتعاد عني .. لم أشعر بكل تلك المعاناة ويعتقدون أني في ترفٍ من العيش .. بل والأكثر يعتقدون أني قادرة علي التحمل والاستمرار مما يشجعهم علي زيادة آلامي ومعاناتي .. لم يهون عليهم جَرحي ولا يقبلون مني العتاب .. ولم يعتقدون أني سأصبر علي قسوتهم إلي الأبد ؟؟!! ... والملايين من الأسئلة اللانهائية والتي يبتر استمرارها الشعور باللاجدوي .. وأن البحث عن إجاباتها مجرد محاولة عَبَثية ستنتهي حتما بالجنون.
وبعد أن تخور كل القُوي .. وتفشل كل خطط المقاومة .. تأخذ المحاولات المُضنية هذا الإنسان الوحيد إلي عالم الانزواء عن الآخرين واعتزال كل مظاهر التفاعل مع الحياة .. ويُجَسِّد لنفسه هذا العالم من الوحدة الذي عاشه من قبل داخليا , لتصبح الوحدة عالما فعليا من اختياره بعد أن كان مفروضا عليه.
وتبدأ مشاعره في التقلُّب .. ويتحول حبه للآخرين إلي قسوة ولوم وغضب ..ورغبة في رد مواقفهم تجاهه بنفس القدر من الظُلم .. ولكن يبقي أصعب سؤال في حياته .. هل سيتمكن من رد الإساءة بمثلها .. وهل سَيَهونُ عليه من يحب مثلما هان هو عليهم .. هل سيهملهم كما أهملوه .. وينساهم كما نسوه .. هل يتجاهل وجودهم في حياته كما أنكروا وجوده في حياتهم .. أم سيبقي كما هو .. يلتمس لهم الأعذار ويحبهم ويهتم لأمرهم ... ويقبل أن يتجرّع العذابَ لآخر يومٍ في عمره المؤلم ...
ما أقسي الشعور بالوحدة وسط عالمٍ ينبض بالحياة الصاخبة .. ما أصعب أن يشعر المرء بالغُربة في منزله .. وما أصعب أن يأتي يوم لا يجد فيه من يسمعه سوي جدران هذا المنزل الخاوي الموحش ..
لَيتَ تلك الوحدة رجلاً ... كنت سأحاول قتله .. لكني للأسف أعلم أني كنت لأفشل في محاولتي .. لأني لم أستطع يوما أن أرد الإساءة بمثلها .

فدوى نزار