Monday, November 18, 2013

بين العامية الهشّة والفُصحى الرقيقة




مؤخراً ... صارت معظم كتاباتي بالعامية أو الإنجليزية ... حتي أصبحتُ أشتاقُ لرُقيّ اللغةِ العربيةِ الفصيحة ... أفتقِدُ رصانتَها ووقارَها وجودة صياغتها والموسيقي الطبيعية النابعة من حروفها المجدولة بحِرفِيّة في تناغمٍ يأسِرُ الأذهان

حين يصادفُني في زحام الحياةٍ أحد النصوص أو إحدي القصائد ... أشعر بالكلمات وكأنها رُسِمَت بريشةِ فنّانٍ حالِم يعتزُّ بلوحته لدرجةٍ تمنعه من ابتذالها بطريقةٍ عاميةٍ مُهينة , فتجعله ينتقي أفضل الطرق التعبيرية وأثراها , فتصل للقارئ حاملةً معها أنقي مشاعر كاتبها وجُزءاً من عُمرهِ الذي قضاه في حياكتها والتنقيب عنها في أعماق قلبه ووجدانه

ما أعذبَ اللغةِ العربيةِ , وما أجملَ حروفِها التي يزيّنها التشكيل كما يُزيّنُ صانعُ الحلوى كعكاتِ الزفاف ... فيُعطيها روحاً ونبضاً ومعانٍ كثيرةٍ تتفَجَّرُ منها رغم سكونِها وثباتِها فوقَ صفحتِها البيضاء 

الفارِق بين اللغةِ العربيةِ الفُصحَى والعامية , تماماً كالفجوةِ بينَ إنسانٍ عاقلٍ مُتَّزِن يتعاملُ مع الآخرين بحذرٍ وأخلاقٍ رفيعة , وبينَ شخصٍ أخرقٍ أرعن لا يدري كيف يتحكَّمُ في أفعالِه وتأثيرها علي المحيطين به ... العامية أسهل في الاستخدام والتعبير , دارجة وتتناقلها ألسُنُ الجميع , بينما الفُصحى نادرةٌ غاليةٌ مصونة لا يطالُها إلا من يستحقُّ الاستمتاع بكل حرفٍ فيها ويعي تماماً قواعدها وكيفية العناية بها 

الفُصحى , هي تلك القصيدة الساحرة , التي تأخذك معها لعالمٍ آخر , تتخاطَبُ فيه القلوبُ والمشاعر, وتُنسيكَ عذوبتُها صَخَبَ الحياةِ المُزعِجة وضوضاء الكلمات المُستَحدَثَةِ الركيكة المُتَدَنّية ... الفُصحى , هي السطور التي تسبحُ بينها في هدوءٍ غامر , هَرَباً من قسوةِ وجفاء العامية السطحية , ونجاةً من سيطرتها ومحاولات تشويهها لكل المعاني الجميلة, الباقية ... الفُصحى , هي الكيانُ الصامد الذي يأبي أن يموت

فدوى نزار


Tuesday, November 5, 2013

زي النهاردة .. من سنة



كنت في المطار في طريقي للكويت ... أول مرة أسافر منغير حد من أهلي ... كنت حاسة بحاجات مختلفة .. مبسوطة بالتجربة , ومستعدة للتحدي , قلقانة , خايفة , مترقّبة , ومش عارفة إيه اللي ممكن يحصل بعد ساعتين - لما أوصل الكويت

رضوى سرّي

طبيعي أول حد هافتكره في الموضوع دة ... رفيقة الطريق في المشروع وفي البيت .. ما كُنّاش أصحاب قبل السفر (علي أد السلامات والحوارات العابرة) كنت خايفة ما نندمجش سواء في الحياة أو الشغل
مش عارفة إزاي وإمتي اتعوّدنا علي بعض !! بسرعة حسيت كإننا عايشين سوا من زمان
مانساش لما كنا بايتين في الشغل , وأنا دخلت أنام في المسجد ساعتين (عشان أشحن) وكنا في عز البرد .. ورضوى جت تطمن عليا , وغطتني بسجادة الصلاة .. أد إيه فعلا وقتها كنت محتاجة أحس بالدفء والحنان
المشروع عدّى بحلاوته وغلاسته , لكن اللي اتبقي لحظاتنا الجميلة , وسهرنا بالليل مع بعض نرغي ف كل حاجة , خروجنا مع بعض كل يوم , ركوب العَجَل والبحر (الخليج) .. الفطار اللي رغم إني مش بحب أبدا أفطر لكن كان أساسي نصحي كل يوم نفطر سوا ونشرب شاي باللبن .. صلاتنا جماعة في الشغل والبيت , يوم الجمعة بتاع الغسيل والمسح العالمي , كل تعليقاتك وهزارك اللي لسة فاكراهم لحد دلوقتي
بجد يا رضوى حبيتك في وقت قصير أوي ... عايزاكي تعرفي دايما إن فيه واحدة في مكان ما في العالم بتحبك ودايما لما بتفتكرك بتضحك من قلبها وبتتمنى لك الخير

مامة رضوى سرّى

مش هاينفع أقول حاجة عن طنط , لأن الكلام كله مش كفاية يعبر عن امتناني للي عملته معايا .. رغم إنها ماتعرفنيش قبل كدة, لكن شالت همّي في الغُربة زي رضوى , مش عارفة يا طنط منغير حضرتك كنت هاعمل إيه .. ربنا يجازيكي خير علي كل حاجة

ماما وبابا وشادي وسارة وميار - عشان أسيل ما كانتش اتولدت لسة

طبيعي جدا إن الواحد يكون بيحب أهله , ومن كُتر ما هوة طبيعي .. ما بقيناش حاسين بيه !! اتعوّدنا عليه , فأصبح حب فاتر تقليدي ... لما سافرت وعشت لوحدي , اكتشفت إني بحب أسرتي الصغيرة أكتر مما كنت أتخيل .. عرفت بالتجربة العملية معني الوحدة , معني إنك فعلا تبقي مشتاق تشوف ناس معينة وتسمع أخبارهم .. حسيت بقسوة إن حد بتشوفه كل يوم , وفجأة تبعد عنه .. وحسيت بحجم السعادة لما أعرف إني راجعة حتي لو أجازة قصيرة
من ضمن فوائد السفر , إعادة إشعال جذوة الحب والروابط الأسرية .. ربنا يخليلي حضن أهلي ويخليهم ليا كلهم (بما فيهم أسيل اللي ربنا وفقني ورجعت مصر قبل ما تتولد بأسبوع) ربنا يبارك فيها و ف ميار ويجعلهم ذرية صالحة بارة وسبب في دخول أهلهم الجنة

سكايب وفايبر

طبيعي جدا أبقي ممتنة لحاجات خلتني أقدر أشوف وأكلّم كل الناس اللي واحشيني .. مش عارفة منغير التكنولوجيا كنت هاقضي فترة السفر والغُربة دي إزاي ... مانساش يوم ما كلمت "هبة" علي سكايب وشغّلنا الكاميرا , وكنا قاعدين نضحك (لأننا بنتكسف أصلا من موضوع الكاميرا دة) .. صحيح شغلناها دقائق معدودة , لكن كانت كفاية بالنسبة لي عشان أشوف هبة اللي كانت واحشاني جدا واللي كنت متعودة أشوفها كل يوم واللي كنت بفتقدها في معظم أحداث حياتي في الكويت وكان نفسي تكون معايا هناك

في الكويت , رغم إن كل الفترة اللي قضيتها هناك كانت 5 شهور , لكن عشت فيها حاجات كتير أوي , وجرّبت تقريبا كل الأحاسيس اللي ممكن تمر علي الإنسان في عمره كله ... سعادة وحزن وتحدي وصبر ووحدة ومرض ونجاح وغضب ويأس وتفاؤل ومثابرة ... وعرفت فيها ناس كتير .. وكمان عرفت ناس علي حقيقتها .. الغربة بتظهِر معادن الناس الحقيقية ... فيه ناس هافضل دايما أفتكرهم بكل خير , ناس جدعان أوي .. وناس تانية كنت فاهماهم غلط واكتشفتهم متأخر ...وناس من اللي ماكانوش معايا , عرفت أد إيه بحبهم وأد إيه فراقهم صعب جدا ومؤلم ... حتي لو في مصر مش بنتقابل كل يوم , بس مش قلقانة لأني عارفة إني أقدر أشوفهم بسهولة , لكن لما سافرت , بقيت حاسة بالبعد عنهم جداَ ... وأد إيه كنت محتاجة أشوفهم وأتكلم معاهم .. الناس دي هيا اللي بتعدل ميزان حياتي بمجرد وجودهم فيها

الغربة صعبة فعلا , بس مدرسة ... وعايزة أقول للناس اللي فاكرة إن البعيد عن العين بعيد عن القلب ... غلطانين
إذا لم يُزِدكَ البُعدُ حُباً , فإنكَ لم تُحبّ حقاً

فدوى نزار