Thursday, August 20, 2015

دراما الواقع





نحن شعب تعَوَّد أن العمل لا يُصبحُ فَنّياً إلا لو امتلأ بالحُزن والكآبة .. بالدراما ... فالقصة لا تكون واقعية من وجهة نظرنا إلا لو عانَى أبطالها من مشاكل مُعَقَّدة لا تنتهى إلا فى الصفحة الأخيرة من الرواية أو الحلقة الأخيرة من التمثيلية أو الدقيقة الأخيرة فى الفيلم ...عُمر المأساة أطول كثيراً من لحظات الأَمَل , ومساحة الابتلاء أوسع من حجم النِعَم ... خَلَقنا بأيدينا نَمَطاً من الأَسَى لا نقتنع بإمكانية الحياة بدونه , أصبحنا نستمتع بمشاهدة أنفسنا نتعذّب ونُهدِر ما لدينا من طاقات وأعمار فى انتظار النهاية السعيدة ... قد نُهمِل السعى (على اعتبار أن الفَشَل من أساسيات الحَبكة الدرامية) قد نَرضى بأوضاع مُرهِقة ومؤلمة وشاقة نفسياً ومادياً وبدنياً ونتعلل بوجوب الرضا بالقضاء والقدر وحتمية قبول النصيب) نخشى التغيير والمخاطرة (فحالنا أفضل من غيرنا , فلِمَ نغامر أو نتقدم .. هناك فى هذا العالم من يحسدنا على ما نحن فيه وبالتالى لا يجب التطلع لما هو أفضل) ... نعتبر كل محاولة للتغيير بَطراً للنعمة , وننسى أو نتناسى أن من مظاهر شُكر النِعمة تنميتها , فمن أنعم الله عليه بهوايةٍ ما مثلاً, يجب عليه ممارستها وتطوير ذاته فيها , والعناية بها كنوع من عرفانه بفضل الله عليه.

حوّلنا مبدأ الاستمرار فى فعل شيء ما وقبول عيوبه ونتائجه وذبول زهرة شبابنا فيه إلى رمز للوفاء والمُساندة وعدم التخلى عن الآخرين , رغم أننا بهذا نخذل أنفسنا بالدرجة الأولى ونخسرها تدريجياً حتى لا يصبح لوجودها هدفاً إلا إرضاء الآخرين ودعمهم وتغليب مصالحهم ومكاسبهم على حساب أرواحنا وطموحاتنا وحماستنا وسعادتنا

معظمنا مريض بحُب تعذيب الذات (إلا من رحم ربّى) .. لا نصدّق أن بإمكاننا اختيار الطريق الأسهل أو الأفضل , بل نقنع أنفسنا ومن حَولَنا أننا مُسَيَّرين ولا نملكُ الحقَّ فى إدارةِ دفةِ حياتنا كما نريد ... لا نُدرِكُ أن مفاتيح سعادتنا ونجاحنا فى أيدينا ونحن فقط من نملك تحديد مصائرنا ورسم ملامح مستقبلنا , ولايجب أن نستمر فى أحزاننا بإرادتنا ... إذا شعرت بالحزن والألم لا تنتظر بطلاً يحملُ عصاً سحرية ليُعلِن نهاية معاناتك فى ختام رحلتك لأنه حتى فى أفلام السينما عندما تُحَل جميع المُشكلات (حلاً غير منطقىّ فى معظم الأحيان) يكون الفيلم قد انتهى .. فقد ينتهى عمرك قبل إسدال الستار وقبل كتابة النهاية السعيدة.

كفانا ما عَهِدنا من طاقاتٍ سلبية , ولنتفكر فى قول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ... لِمَ لا نُجَرِّب التفاؤل وإحسان الظن بالله ونكتب لأنفسنا بأيدينا قصصاً مُبهِجة يعيش أبطالها فى سعادةٍ وتألُّق وإيجابية وسعى وتجديد واطمئنان ويقين بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً * ... فلنجعل أيامنا كلها سعيدة وليست النهايات فقط ... فلنترك الدراما ونعيش الواقع.



فدوى نزار