Wednesday, December 18, 2013

لقد هرمت .. 28 عاما


أتعجب من نظرة البعض لسنوات العمر , وكأنها محطات قطار وحيد الوجهة , لو فاتتهم فلن تعود ... نعم هي لن تعود , ولكن ثمارها ستبقي للأبد , فالعمر كالشجرة , ما تفعله في السنوات المختلفة إما سيؤدي إلي ظلال وارفة وثمار ناضجة أو إلي شجرةٍ ذابلةٍ مُتكسرة الفروع


بالفعل لا يمكن للزمن الرجوع للخلف , لكن يمكن خلاله العمل للمستقبل , وبالتالي حتي لو عاد للخلف لكرر الإنسان نفس الخطوات ونفس الأفعال لكي يصل لنفس الحاضر ويصنع نفس المستقبل


أعترف أن الكمال لله وحده , وأنه لا يوجد إنسان علي وجه الأرض لا يُخطئ ... ولدي الجميع نقاط محددة في حياتهم يتمنون محوها أو تصحيحها لسبب ما .. لكن هذا تحديداَ ما يجعل للعالم معنى ! فلو لم نرتكب الأخطاء , لن نعرف الصواب , لو لم نكتشف عيوبنا فلن نتفاداها , وهكذا


عند تقييمي لما مضي من عمري , أجد العديد من الثغرات التي أتمني ملأها , أخطأت كثيراً (بطبع كون النفس أمارة بالسوء) اتخذت بعض القرارات التي اكتشفت أن أضرارها أكبر من منافعها , وضعت ثقتي ببعض من لا يستحقوها ونزعتها ممن هم أهل لها ... لكن بصفة عامة , تعلمت الكثير (ومازلت) وأدركت أني أحب حياتي كما هي (كما كتبها الله لي ووفقني إليها) .. ولا أتخيل أني أحيا بطريقة أخري أو في أحداث أو مع أشخاص آخرين ... بالفعل كُلٌ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له ... وعلي كل المحاور وبكل المقاييس لن يكفي ما بقي لي من أيام أن أشكر نعم الله عليّ , وإعانته لي في كل الأوقات حتي رغم تقصيري


اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وواسع قدرتك وعظيم سلطانك .. اللهم لك الحمد حتي ترضى

فدوى نزار

Monday, November 18, 2013

بين العامية الهشّة والفُصحى الرقيقة




مؤخراً ... صارت معظم كتاباتي بالعامية أو الإنجليزية ... حتي أصبحتُ أشتاقُ لرُقيّ اللغةِ العربيةِ الفصيحة ... أفتقِدُ رصانتَها ووقارَها وجودة صياغتها والموسيقي الطبيعية النابعة من حروفها المجدولة بحِرفِيّة في تناغمٍ يأسِرُ الأذهان

حين يصادفُني في زحام الحياةٍ أحد النصوص أو إحدي القصائد ... أشعر بالكلمات وكأنها رُسِمَت بريشةِ فنّانٍ حالِم يعتزُّ بلوحته لدرجةٍ تمنعه من ابتذالها بطريقةٍ عاميةٍ مُهينة , فتجعله ينتقي أفضل الطرق التعبيرية وأثراها , فتصل للقارئ حاملةً معها أنقي مشاعر كاتبها وجُزءاً من عُمرهِ الذي قضاه في حياكتها والتنقيب عنها في أعماق قلبه ووجدانه

ما أعذبَ اللغةِ العربيةِ , وما أجملَ حروفِها التي يزيّنها التشكيل كما يُزيّنُ صانعُ الحلوى كعكاتِ الزفاف ... فيُعطيها روحاً ونبضاً ومعانٍ كثيرةٍ تتفَجَّرُ منها رغم سكونِها وثباتِها فوقَ صفحتِها البيضاء 

الفارِق بين اللغةِ العربيةِ الفُصحَى والعامية , تماماً كالفجوةِ بينَ إنسانٍ عاقلٍ مُتَّزِن يتعاملُ مع الآخرين بحذرٍ وأخلاقٍ رفيعة , وبينَ شخصٍ أخرقٍ أرعن لا يدري كيف يتحكَّمُ في أفعالِه وتأثيرها علي المحيطين به ... العامية أسهل في الاستخدام والتعبير , دارجة وتتناقلها ألسُنُ الجميع , بينما الفُصحى نادرةٌ غاليةٌ مصونة لا يطالُها إلا من يستحقُّ الاستمتاع بكل حرفٍ فيها ويعي تماماً قواعدها وكيفية العناية بها 

الفُصحى , هي تلك القصيدة الساحرة , التي تأخذك معها لعالمٍ آخر , تتخاطَبُ فيه القلوبُ والمشاعر, وتُنسيكَ عذوبتُها صَخَبَ الحياةِ المُزعِجة وضوضاء الكلمات المُستَحدَثَةِ الركيكة المُتَدَنّية ... الفُصحى , هي السطور التي تسبحُ بينها في هدوءٍ غامر , هَرَباً من قسوةِ وجفاء العامية السطحية , ونجاةً من سيطرتها ومحاولات تشويهها لكل المعاني الجميلة, الباقية ... الفُصحى , هي الكيانُ الصامد الذي يأبي أن يموت

فدوى نزار


Tuesday, November 5, 2013

زي النهاردة .. من سنة



كنت في المطار في طريقي للكويت ... أول مرة أسافر منغير حد من أهلي ... كنت حاسة بحاجات مختلفة .. مبسوطة بالتجربة , ومستعدة للتحدي , قلقانة , خايفة , مترقّبة , ومش عارفة إيه اللي ممكن يحصل بعد ساعتين - لما أوصل الكويت

رضوى سرّي

طبيعي أول حد هافتكره في الموضوع دة ... رفيقة الطريق في المشروع وفي البيت .. ما كُنّاش أصحاب قبل السفر (علي أد السلامات والحوارات العابرة) كنت خايفة ما نندمجش سواء في الحياة أو الشغل
مش عارفة إزاي وإمتي اتعوّدنا علي بعض !! بسرعة حسيت كإننا عايشين سوا من زمان
مانساش لما كنا بايتين في الشغل , وأنا دخلت أنام في المسجد ساعتين (عشان أشحن) وكنا في عز البرد .. ورضوى جت تطمن عليا , وغطتني بسجادة الصلاة .. أد إيه فعلا وقتها كنت محتاجة أحس بالدفء والحنان
المشروع عدّى بحلاوته وغلاسته , لكن اللي اتبقي لحظاتنا الجميلة , وسهرنا بالليل مع بعض نرغي ف كل حاجة , خروجنا مع بعض كل يوم , ركوب العَجَل والبحر (الخليج) .. الفطار اللي رغم إني مش بحب أبدا أفطر لكن كان أساسي نصحي كل يوم نفطر سوا ونشرب شاي باللبن .. صلاتنا جماعة في الشغل والبيت , يوم الجمعة بتاع الغسيل والمسح العالمي , كل تعليقاتك وهزارك اللي لسة فاكراهم لحد دلوقتي
بجد يا رضوى حبيتك في وقت قصير أوي ... عايزاكي تعرفي دايما إن فيه واحدة في مكان ما في العالم بتحبك ودايما لما بتفتكرك بتضحك من قلبها وبتتمنى لك الخير

مامة رضوى سرّى

مش هاينفع أقول حاجة عن طنط , لأن الكلام كله مش كفاية يعبر عن امتناني للي عملته معايا .. رغم إنها ماتعرفنيش قبل كدة, لكن شالت همّي في الغُربة زي رضوى , مش عارفة يا طنط منغير حضرتك كنت هاعمل إيه .. ربنا يجازيكي خير علي كل حاجة

ماما وبابا وشادي وسارة وميار - عشان أسيل ما كانتش اتولدت لسة

طبيعي جدا إن الواحد يكون بيحب أهله , ومن كُتر ما هوة طبيعي .. ما بقيناش حاسين بيه !! اتعوّدنا عليه , فأصبح حب فاتر تقليدي ... لما سافرت وعشت لوحدي , اكتشفت إني بحب أسرتي الصغيرة أكتر مما كنت أتخيل .. عرفت بالتجربة العملية معني الوحدة , معني إنك فعلا تبقي مشتاق تشوف ناس معينة وتسمع أخبارهم .. حسيت بقسوة إن حد بتشوفه كل يوم , وفجأة تبعد عنه .. وحسيت بحجم السعادة لما أعرف إني راجعة حتي لو أجازة قصيرة
من ضمن فوائد السفر , إعادة إشعال جذوة الحب والروابط الأسرية .. ربنا يخليلي حضن أهلي ويخليهم ليا كلهم (بما فيهم أسيل اللي ربنا وفقني ورجعت مصر قبل ما تتولد بأسبوع) ربنا يبارك فيها و ف ميار ويجعلهم ذرية صالحة بارة وسبب في دخول أهلهم الجنة

سكايب وفايبر

طبيعي جدا أبقي ممتنة لحاجات خلتني أقدر أشوف وأكلّم كل الناس اللي واحشيني .. مش عارفة منغير التكنولوجيا كنت هاقضي فترة السفر والغُربة دي إزاي ... مانساش يوم ما كلمت "هبة" علي سكايب وشغّلنا الكاميرا , وكنا قاعدين نضحك (لأننا بنتكسف أصلا من موضوع الكاميرا دة) .. صحيح شغلناها دقائق معدودة , لكن كانت كفاية بالنسبة لي عشان أشوف هبة اللي كانت واحشاني جدا واللي كنت متعودة أشوفها كل يوم واللي كنت بفتقدها في معظم أحداث حياتي في الكويت وكان نفسي تكون معايا هناك

في الكويت , رغم إن كل الفترة اللي قضيتها هناك كانت 5 شهور , لكن عشت فيها حاجات كتير أوي , وجرّبت تقريبا كل الأحاسيس اللي ممكن تمر علي الإنسان في عمره كله ... سعادة وحزن وتحدي وصبر ووحدة ومرض ونجاح وغضب ويأس وتفاؤل ومثابرة ... وعرفت فيها ناس كتير .. وكمان عرفت ناس علي حقيقتها .. الغربة بتظهِر معادن الناس الحقيقية ... فيه ناس هافضل دايما أفتكرهم بكل خير , ناس جدعان أوي .. وناس تانية كنت فاهماهم غلط واكتشفتهم متأخر ...وناس من اللي ماكانوش معايا , عرفت أد إيه بحبهم وأد إيه فراقهم صعب جدا ومؤلم ... حتي لو في مصر مش بنتقابل كل يوم , بس مش قلقانة لأني عارفة إني أقدر أشوفهم بسهولة , لكن لما سافرت , بقيت حاسة بالبعد عنهم جداَ ... وأد إيه كنت محتاجة أشوفهم وأتكلم معاهم .. الناس دي هيا اللي بتعدل ميزان حياتي بمجرد وجودهم فيها

الغربة صعبة فعلا , بس مدرسة ... وعايزة أقول للناس اللي فاكرة إن البعيد عن العين بعيد عن القلب ... غلطانين
إذا لم يُزِدكَ البُعدُ حُباً , فإنكَ لم تُحبّ حقاً

فدوى نزار

Thursday, June 13, 2013

شادى



صانع البهجة في بيتنا ... فالضحك هو عنوان كل جلساتنا وأحاديثنا ونقاشاتنا , حتي الجادّ منها
هو أول أصدقائي في هذا العالم ... رفيق دربي , وشريكي في كل جرائم ومغامرات الطفولة
لا يوجد حدثٌ في حياتي إلا وكان معي فيه ... ولا أذكر قراراً أخذه هو أو أخذته أنا ولم نفكر فيه معاً
حنون وعاطفيّ لدرجة أننا حين كنا أطفالا , كان يصالحني دائما حين نتشاجر .. حتي لو كنت أنا المخطئة
كنا نشجع بعضنا علي كل شيء , وكل الخطوات .. حتي المصائب
حين سافر شادى للدراسة (كان طالباً مغترباً) .. شعرت باختفاء البسمة فجأة من منزلنا .. وكنت أنتظر إجازاته المتباعدة لكي أسمع حكاياته المرحة التي تجعلني غير قادرة علي التنفس من كثرة الضحك 
أكثر من أصابني بالهلع (رغم أني فتاة رابطة الجأش) .. كنت أنا وأمي وحدنا في المنزل وقد خرج للدرس في المرحلة الإعدادية حين طرق أصدقاؤه باب منزلنا بهستيرية لنفتح ونجدهم جميعاً وفي نفس واحد يقولون : شادي "داسته" عربية .. لنهرع أنا وأمي دون تفكير للشارع تاركين باب المنزل مفتوحا علي مصراعيه نركض خلف زملائه الذين يقودونا لمكان الحادث لنكتشف (ولله الحمد) أن السيارة خطت فوق قدمه وأن الموضوع أسفر فقط عن تورم قدمه لعدة أيام ولكنها (جت سليمة , وربنا ستر) وأصبحنا "نستوضح الأمور" قبل الشروع في الركض في الطرقات 
أخي الذي زارته المدرسة بأكملها حين أصابه التهاب الكبد الوبائي (فيروس إيه) في يومه الأول من المرحلة الثانوية ... وكانت أول مرة أري أخي بهذا الشكل من الإعياء (لأنه اعتاد مواجهة المرض واقفاً) وكم تألمت من أجله وهو يضطر لأكل الطعام دون ملح ولا سمن وأنواع محددة من الطعام لا تسمن ولا تغني من جوع
أول من أتحف معدتي المسكينة بالأطعمة الملوثة من العربة والتي رغم إصابتي بالتسمم الغذائي في كل مرة إلا أنني لم أتوقف أبداً عن مشاركته فيها والاستمتاع (اللحظي) بمذاقها الرائع رغم أضرارها

لن أستطيع بالطبع سرد عمر بأكمله في عدة سطور .. لكن شادي أخي الوحيد ... هو الحب الأبدي الذي أدعو الله أن يديمه عليّ وأتمني له وهو علي عتبة أول أيام عامه الثلاثين أن يجعل الله تعالي كل أيام حياته سعادة وبهجة كما أسعدنا دائما , ويوفقه ويبارك له في زوجته وبناته, ويجعل ذريته صالحة بارة , ويبارك له في رزقه وعمله وبيته, ويرزقه التقوى , ويرضى عنه

فدوى نزار

Friday, May 17, 2013

ليتشي


اللي في الصورة فوق دة .. صديقي "ليتشي" .. جبته من المركز العلمي في الكويت

سر ارتباطي ب ليتشي , مش بس إني من ساعة ما شفته , فِضِل ف دماغي كذا يوم لحد ما قررت أشتريه ... لكن كمان لأني يوم ما اشتريته , كان أحد الأيام القاسية جداً في حياتي المعاصرة ... كنت حاسة بوحدة قاتلة , وكنت يومها خارجة لوحدي بتمشي علي الخليج هرباً من كل حاجة في الدنيا ... هربا من الروتين والشغل والناس والغُربة .. وكنت كل ما أبص لمياه الخليج علي مرمي البصر .. أحس أكتر بالوحدة , وكل ما أمشي مسافة أطول أشعر بوحشة الطريق وأبقي خايفة أرجع , وفي نفس الوقت مش عايزة أرجع .. عايزة أستمر أهرب لحد ما أنسي حدود الزمان والمكان ... لحد ما ألاقي نفسي ...., أو أنساها

وأثناء الرحلة عديت علي المركز العلمي , وافتكرت البطريق الجميل اللي شفته هناك , وجبته فعلاً وحسيت كأنه رفيق الدرب ... كنت مبسوطة بيه جداً ..

لما باجي أخرج دلوقتي , بيبقي نفسي آخده معايا .. زي أي طفل بياخد معاه عروسة أو دبدوب في أي مشوار يروحه ... أنا مش عارفة الأطفال بيعملوا كدة ليه (لأني عمري ما حبيت اللعب بالعرايس والدباديب .. كنت بميل أكتر للألعاب النارية من مسدسات وديناميت وبمب) .. لكن حاليا .. عايزة آخد ليتشي معايا عشان أحس إن معايا صديق عمره ما هايسيبني ولا يزهق مني ولا يزعل من حاجة قلتها أو عملتها لحظة انفعال ... عمر اهتماماته وهواياته ما هاتتعارض مع اهتماماتي وهواياتي , .. و دايماً هالاقيه جنبي وهاحضنه لما أحتاج قدر من الحب أو الحنان

لكن ترجع حدود الزمان والمكان تفرض عليا "كواحدة طويلة عريضة ممتدة" إني ماينفعش أمشي ببطريق في الشارع زي العيال ... ما ينفعش واحدة في سني يكون ليها صديق خيالي جامد لن يبادلها أي شيء ... فقط وجوده في عالمها هايفرق معاها .. لكن الآخرين هايشوفوها مجنونة

فدوى نزار

Wednesday, May 15, 2013

كلمة .. صورة .. وما وراءهما


ليس كل ما تقرأ صادق ... وليس كل ما تري واقع

لا أدري كيف كنت سأصمد في هذا العالم بدون الكتابة ... فالورقة هي العالَم الذي أُبحِرُ فيه بقلمي كي أنجو من ضغوطٍ وأحداثٍ قد تفتك بي إذا لم أجد متَنَفَّساً ينتشلني من براثنها ... حتي أن إنتاجي الكتابي كان يصل لقِمَّته أيام الامتحانات أو ضغط العمل أو الأحداث الحزينة في حياتي ... بل إن أفضل ما كتبت كان في أكثر الأوقات قسوة وألماً واكتئاباً ... قد يكون السبب أن الإنسان بطبعه يكون في تلك اللحظات أكثر حساسيةً من غيرها , وبالتالي مشاعره أكثر هشاشة وعُمقاً , وتأثره بما حوله أقوي , فتصبح قدراته علي التعبير في أبهي صورها , وقلمه يتحرك علي الصفحة البيضاء بمرونة ونشاط وثقة أكثر من أي حالات أخري

المُدهِش في الأمر .. أن ما يكتب قد لا يعكس إطلاقا ما يشعر به !! فأحيانا كنت أكتب سطوراً مليئة بالتفاؤل والحماسة رغم غرقي في الإحباط والحزن ... أو أكتب عن المعاناة والألم رغم وجودي فوق قمة السعادة !! ... الموقف بحذافيره يتلخص في مؤثر خارجي (سواء سلبي أو إيجابي) يدفعني بكل قوة للإمساك بقلمي وترك العنان له كي يكتب ما يريد ... كأنما أطلقت جواداً - غير مُدَرَّب - في غابةٍ مترامية الأطراف .. يذهب فيها حيث يشاء , ويسلك أي طريقٍ تأخذه أقدامه إليه ... لا يعرف إلي أين يريد الوصول ولا توجد لديه حدود للزمن ... تختفي كل العوامل من حوله , فيصبح العالم كله هو الورقة والبطل الوحيد هو القلم , وبعد انتهاء الموقعة .. تنظر للورقة فتجد أشلاء حروفك مبعثرة علي أرض المعركة تاركةً ما قد لا يمت لشعورك بصلة ... لكنها فقط تدع جزءاً منك يخرج علي تلك الورقة ليريحك ولو لبرهة من إرهاق الحياة بحلوها ومرارتها

والمفارقة , أن "المتلقي" حين يقرأ كلاما كتبه شخص آخر , فهذا يعني أن الكاتب قد قرر مشاركة ما خطّه مع الآخرين ... وهذا في حد ذاته قد يعني أن ما كتبه ليس التعبير "الصريح" عما يريد أن يقول ... عن تجربة ... حين يعجز قلبي وعقلي عن احتجاز مشاعري , وألجأ إلي وريقاتي كي ألقي ما في جعبتي علي كاهلها , وأكتب ما أرغب في قوله دون مواربة , فإن هذه الوريقات لا تغادر مساحتي الخاصة أبداً ولا أشاركها مع أحدٍ قط ... فهي كمن يتحدث إلي نفسه ... أما الكلام العام , فيخرج للآخرين وتتم مشاركته ونشره وتداوله ... بالطبع يكون أيضا كلاماً صادقاً , لكنه لا يحتوي علي الحقيقة الكاملة ... أو قد تكون الحقيقة مخفية عمداً بين طيات الكلام ... لا يفهمها من "يقرأ" لكن يفهمها من "يشعر" بما يقرؤه

بالضبط كأي صورة نراها لمجموعة من الأفراد ... جميعهم يضحكون .. جميعهم يظهر عليهم المرح ... لكن خلف كل ابتسامة مرسومة تكمن مئات المشاعر التي تحاول الاستتار عن طريق تلك الابتسامات ... نعم هي ابتسامات صادقة , لكنها غير معبرة


الكتابة , زي التصوير .. الاتنين بيخلّدوا ذكرى معينة ... الكتابة بتحكي حكاية لكن الصورة بترسمها ... الكتابة مش شرط تجسد الحقيقة , يمكن تخبيها بين السطور... , زي الصورة , اللي بتشوفه فيها مش بالضرورة يكون حقيقي ... سواء الكتابة أو الصور .. الاتنين محتاجين حد يحس , يقرا بين السطور ويفهم لغة العيون عشان يقدر بجد يعرف الحقيقة

فدوى نزار

Sunday, May 12, 2013

الغِناء

لن أتطرّق للجانب الديني , أو ما تحمله الأغاني من لهو الحديث و المعازف 

لكن من واقع كوني أحب الكلمة المكتوبة , فإني أري أن الغناء ماهو إلا جريمة في حق الشعر ... اختزال لقصيدة معينة , في بعض الأبيات المنتقاة عشوائيا لتناسب اللحن "المُفَصَّل" خصيصاً لإجبار المستمع علي الشعور بما لم تستطع الكلمات ولا صوت المغني إيصاله له ... لتتحول مشاعر إنسانٍ مُرهف وعصارة قلبه ودموعه وتجاربه وسعادته من قصائد تتفجر بما تحمله من انفعالات , إلي شيء مُبتَذَل "يدندنه" شخص ما في إحدي "دورات المياه" مثلا

فبدلا من قراءة الشعر , وإطلاق العنان لخيالك لتصوّر مدي البلاغة في كل بيت تقرؤه  وسفرك إلي عالم آخر يحملك إليه كل حرف تنتقل إليه عيناك والموسيقي الخاصة بك التي تؤلفها وتستمع لها وحدك وبطريقتك علي سُلّم الوزن الذي قدّمه إليك الشاعر ... بدلا من انفرادك بتجربتك المُبتَكَرة , أصبحت مُكرَهاً علي تخيل صوت "نجاة الصغيرة" في كل مرة تحاول فيها التساؤل "متي ستعرف كم أهواك يا رجلا أبيع من أجله الدنيا وما فيها" كما تساءل نزار قباني ... بل وتقفز إلي أذنيك مأساة تغيير كلمة "رجلا" بكل سذاجة إلي كلمة "أملا" ... وكل هذا تصحبه موسيقي مستفزة لا تليق أبداً بمستوى القصيدة

نفس الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها أم كلثوم في حق أبي فراس الحمداني وحق اللغة العربية حين غيرت "بلي" إلي "نعم" في "بلي أنا مشتاق وعندي لوعةٌ ولكن مثلي لا يذاع له سرٌّ" ... ليس فقط للجَهل البيّن الذي قلب المعني رأساً علي عقب , ولكن مَن مِن البشر يملك العَبَث بمشاعر الآخر وعذابه وأفكاره ... من يعطي لشخص ما الحق في تزييف إحساس شخص آخر  ... ناهيك عن كون أغاني أم كلثوم تبدأ بعد مقطوعة موسيقية مُبالََغ في طولها تجعلك تنسي أي قصيدة ستغني بل وتفقد اهتمامك بأي كلمات ستُقال

والأفدح أثراً وما أخشاه , أن يأتي زمنٌ تختفي فيه أبيات كاملة من القصائد لمجرد أن كاظم الساهر عجز عن تلحينها فقرر حذفها من أغانيه  .. فأصبح "الحب المستحيل" يخلو من " أحبُّكِ جداً وأعرف منذ البداية بأني سأفشل , وأني خلال فصول الرواية ساُقتَل , ويُحمَلُ رأسي إليكِ .. وأني سأبقي ثلاثين يوماً مُسَجَّى كطفلٍ علي ركبتيكِ وأفرحُ جداً بتلك النهاية " ... وأصبحت حين أرغب في قراءة القصيدة و أبحث عنها علي صفحات الشبكة العنكبوتية فلا أجد سوي النسخة المُغتالة علي يد كاظم ولا أجدها إلا بعد رحلة بحث مضنية تساهم في زيادة قتامة وجهة نظري عن الأغنية كمبدأ

مفهومي عن الأغاني وما ترتكبه في حق الشعر , هو نفس مفهومي عن ما ترتكبه الأفلام في حق الروايات المكتوبة ... كلاهما قَتلٌ للخيال والإبداع والمشاعر , وتزييف للحقائق ووضع سجون علي عقول المتلقي تمنعه من الغوص في عالمه الخاص


فدوى نزار

Sunday, March 24, 2013

أبي



منذ بدأت رحلتي مع الكتابة في المرحلة الثانوية , وأنا أرغب في الكتابة عن أبي ... وفي كل مرة أشرع فعلاً في تنفيذ هذه الرغبة , أعجز تماماً بكل ما تحمله كلمة العجز من معان ... فلا أجد الكلمات المناسبة ولا أستطيع تكوين الجُمَل التي تصف ما في رأسي بشكل صحيح , بل بالأحري , لا تستطيع مشاعري أن تتحول إلي حروف أسطرها في مقالة أو علي ورقة

نعم أعلم يقيناً أن الكلمات وموهبة الكتابة أفقر من أن تصف أغلب المعاني العميقة , وبالرغم من ذلك فأنا أحاول قدر الإمكان استخدام قدرات كلماتي المحدودة كي أعبر عما أرغب فيه في بعض السطور ... وغالباً يعينني الله علي توصيل أفكاري ... أفكاري التي لا أستطيع الآن تجميعها أو صياغتها أو ترويضها وجمع شتاتها من كل أيام عمري كي أتمكن من الكتابة عن أبي

وكيف أضع قرابة الثلاثة عقود من عمري في عدة كلمات .. من أين أبدأ وإلي أين سأنتهي , وماذا سأقول

أبي ... الوحيد في هذا العالم الذي أشعر إلي جواره بالأمان الحقيقي , وبالحماية , وبأنني لست مضطرة إلي تحمل مسئولية نفسي والاعتماد عليها كما أفعل دائماً .. فمع أبي أعود دوماً إلي كوني طفلة مدللة يمكنها القيام بأي شيء مهما كانت خطورته لأنها تعلم أن أباها سيحميها ويدافع عنها وينتصر لها (في حالة قيامها بأي مصيبة أو كارثة) .. أجد في حضن أبي كل ما أحتاجه من دفء وحنان أفتقده أثناء دوراني مع عجلة الحياة العملية الجافة ... أشعر حين أفكر في اتخاذ أي قرار مهما كان مصيرياً , أني سأجد الدعم الكامل من أبي وسيؤيدني ويعينني , بل وسيشجعني لو علم فيه خيراً لي ... أتذكر حتي أحلك الأوقات حين كنت أغضب من دراستي مثلاً فيقول لي أن لا داعي لأن أدخل امتحانات هذا العام لأن المهم فقط راحتي النفسية وصحتي (وبالطبع أمام هذا التدليل لم يكن يسعني سوى دخول الامتحان بل والتفوق أيضاً حتي لا أضيع سنة من عمري وحتي أكون مصدراً لسعادة أبي وفخره) .. وأذكر أيضا حين أسأم من العمل وأشكو لأبي فيقول لي "اتركي العمل وأنا سأدفع لك راتبك نفسه , لأن هذا العمل يرهقك ويجور علي ما تبقي لك من صحة" ... أغوص في ذاكرتي فأجد أبي الذي يسهر معي للصباح فقط لكي يسمعني أبكي له من أشياء طفولية , ولكنه يأخذها علي محمل الجد ويحتضنني ويضحي بما بقي له من سويعات نومه قبل ذهابه للعمل فقط لكي يساعدني علي إفراغ هموم صدري ... أذكر ذهابي معه لعمله ومشاهدتي لهذا الصرح الضخم (محطة الكهرباء) ورغبتي أن أكبر لأصبح مثل أبي ... وهو ما اكتشفت بعد أنه مجال الهندسة

أشاهد سنوات عمري أمامي , فأجد أبي الذي لا أذكر مطلقاً أن رفض لي طلباً أو أخّر لي رغبة أياً كانت , كل ما كان يعبأ به أن يجعلني سعيدة , ... نعم لم أشعر أبداً أن تدليل أبي لي أفسدني , بل علي العكس , زاد من تحملي للمسئولية لما كان يتضمنه من إعطائي قدراً كبيراً جداً من الحرية ... فبإمكاني الذهاب حيث أشاء والتعامل مع من أريد في أي وقت طالما يثق في قدرتي علي التمييز بين الصواب والخطأ ورجاحة تصرفي في مواجهة أي موقف يمكن أن أتعرض له

حين كان أبي يدخن (قبل أن ينعم الله عليه ويخلصه من تلك العادة القاتلة) . وكان يأتي رمضان , وكأي مدخن يكون في قمة العصبية قبل أذان المغرب ... لم يكن أحداً ليجرُؤ علي الاقتراب من أبي سواي ... لعلمي يقيناً أنه لن يغضب مني ولن يعاملني بأي طريقة سوي حبه وحنانه الدائمين ... بل في بعض الأحيان حين كان أحد أفراد أسرتنا يرغب في اقتراح أي شيء علي أبي , ويخشي المواجه , كنت أنا الخيار الدائم لفتح الحوار مع أبي ... فهو يقبل مني ما يمكن أن يرفضه من الآخرين , وأنا أري في كل تصرفاته طيبته اللانهائية مهما كانت ردود أفعاله

أبي ... ما أطيب هذا الرجل ... فأبي يشعر بالآخرين ويتألم لألمهم ويبذل كل ما في وسعه لتخفيف أحزانهم ... فهو قد يجور علي نفسه واحتياجاته وصحته من أجل الآخرين , ويسعد حين يتمكن من مد يد العون لغيره , ولا توجد في قاموسه كلمة "لا" لو طلب منه أي شخص أي شيء في أي وقت ... فأبي الرجل الذي تجده إلي جوارك وقتما احتجته

كانت أكثر أيام حياتي قسوة , حين بدأ أبي يعمل في محافظات بعيدة أو حتي خارج مصر ... كنت دائماً أمرض حين يسافر أبي , ولا أشفي إلا حين يقطع عمله ويعود للاطمئنان عليّ ... وكنت دائماً أعلم أنه سيأتي , لأني أهم عنده من عمله ... بالطبع لم أكن أمرض بإرادتي , ولكني كنت أطمئن حتي رغم عجز الأدوية عن علاجي , لأنه بعد عدة ساعات سيعلم أبي بمرضي ويأتي سريعاً وسأشفي حين أراه .... نعم حين كبرت أعتدت علي سفر أبي المتكرر , بدأت أجبر نفسي علي تقبل أن صديقي الوحيد في هذا العالم لديه مسئوليات أخري غير البقاء بجانبي , وأصبحت أدرك أني يجب أن أقاوم ما يؤدي إليه حزني من أمراض عضوية , ولن أستسلم لتأثير نفسيتي علي جسدي حتي لا أزيد من الضغوط علي أبي لأني أعلم أنه يحزن عليّ ويتعب أكثر مني لرؤيتي مريضة ... أصبحت أكثر احتمالاً من ذي قبل , أفتقد أبي كل مرة يسافر فيها وكأنها أول مرة , ولكني أكثر فهما للحياة الآن وأكثر قدرةً علي الاستيعاب ... وأعلم أيضاً أن أبي دائما معي حتي لو سافر بعيداً وأنه حتماً سيأتي لو احتجته مهما كانت الظروف 

أبي الذي كان يأخذني "للفُسحة" في أي مكان أتمناه لأني أخبره أن لا أحد يرغب في الخروج معي , فيقضي إجازته في التنقل معي من مكان لآخر بدلا من أن يأخذ قسطا من الراحة ... أبي الذي حتي رغم بلوغي من العمر أرذله , كان يعود من عمله ليجدني يكاد يغشي عليّ من الإرهاق والضعف فيأخذني للمشفي ويقود السيارة رغم أدويته التي تحذر من القيادة أثناء استخدامها , ويظل يخبرني مراراً وتكراراً أن أهتم بصحتي وبطعامي وألا أجهد نفسي لأني أصلاً ضعيفة 

أبي هو الوحيد الذي أشعر معه أني "فتاة" وأن ظروف الحياة التي جعلتني في بعض الأحيان أقوى من الرجال , لن تجبرني وأنا جواره أن أظل قوية صلبة , بل إنني أعود طفلة مدللة عابثة , ترتمي في حضن أبيها بحثا عما حجبته الحياة عنها من أمان وحماية وحب ... بل إن أبي أحيانا يكون سبباً في رفضي لمبدأ الزواج , ليقيني أن لا أحد أبداً سيجبني ويرعاني ويخاف عليّ ويدللني مثل أبي , فلم أترك كوني أميرة أبي لأذهب وأكون أسيرة غيره

وحين كبرت وسافرت للعمل , مع كل ليلة لسفري كان يزيد مرض أبي ... ولا أحد سواي يعلم أن مرضه بسبب ابتعادي عنه , تماماً كما كان يحدث معي حين يسافر هو , لأنه لا أحد غيرنا يدرك مدي ارتباطنا وتعلقنا ببعضنا , ولا أحد يعلم أن أبي هو سر بقائي وسر سعادتي وسر ثقتي بنفسي وجرأتي ... لا أحد غيري يعلم أن كل ما يتولد لدي من حب أو حنان مصدره أبي , وكل ما يظهر عليَ من طيبة , هو جزء من طيبة أبي ... و كل خطوة أخطوها أستند فيها علي أبي

فأبي هو كل شيء

حفظك الله لي يا أبي , وأسأل الله أن يشفيك ويدخل علي قلبك السعادة التي تدخلها علي قلبي


فدوى نزار

Thursday, March 14, 2013

أمي





مع اقتراب "عيد الأم" يبدأ الجميع في التفكير في الهدية المناسبة لأمهاتهم .. لا أدري تحديداً هل يعتقد الأبناء إن تلك الهدية ستوصل للأم المقدار الحقيقي لتقديرهم لها ... هل ستدرك أنهم حقاً يشعرون بقيمة وجودها في حياتهم ... وهل تشعر بتقديرهم طوال الوقت أم فقط يوم عيد الأم الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في العام

السؤال الأكثر إلحاحاً عليّ في هذه الأيام ... هل ندرك نحن كأبناء القيمة الحقيقية لأمهاتنا , ومدي تأثيرهن في تفاصيل حياتنا ؟؟ هل نقدّر حقاً هذا الدور , أم أننا فقط نتبع التقاليد الشكلية ونحضر لأمهاتنا هدية كما يفعل الجميع بغض النظر عن إحساسنا بدورهن

والإجابة المرعبة , التي لم أعرفها إلا منذ قرابة الخمسة أشهر ... أننا لا نعلم علي الإطلاق ولا نُقَدِّر ما تفعله أمهاتنا إلا حين نفارقهن لأي سبب


حين سافرت , وأصبحت فجأة أتحمل مسئولية كل شيء حولي , إعداد الطعام , التنظيف المستمر , غسل الملابس والأواني , الحفاظ علي الشكل الآدمي للمنزل , حتي الاهتمام بالتخلص من القمامة , التركيز مع كل الخامات المطلوب وجودها في المنزل وشراء ما يلزم قبل أن نعاني من فقده (كأبسط الأشياء مثل ملح الطعام علي سبيل المثال) ... وحتي مسألة أن أعود في ساعة متأخرة من الليل بعد يوم عمل شاق فلا أجد الطعام الذي أعدته أمي في انتظاري , بل أصبح في مواجهة حلين أحلاهما مر , فإما أنا أنام جائعة , أو أتناسي إرهاقي وتعبي وأعد لنفسي الطعام وأنتظر نضجه كي آكله وأغسل الأدوات التي استخدمتها وأزيل آثار العدوان من علي المنضدة ثم أهرع للحاق بما بقي من سويعات قليلة كي أنامها قبل الشروع من جديد في الدوران بحلقة العمل اللانهائية ... أدخل غرفتي فلا أملك رفاهية إلقاء ملابسي علي حافة السرير ومعرفتي المسبقة بأن أمي ستأتي إن آجلا أو عاجلا لتأخذها وتغسلها وأجدها في اليوم التالي نظيفة مرتبة في خزانة الملابس في انتظاري كي ألبسها وأعيد الكَرّة من جديد وكأن أمي ليس لديها ما يشغل بالها سوي الركض وراء مظاهر الفوضى التي أخلفها في كل مكان أذهب إليه ... الآن أصبح من واجباتي أن أرتب ملابسي بنفسي وأغسلها وأنشرها وأطويها وأضعها في الخزانة , ولا أتركها ملقاة بلا اكتراث علي السرير لأني أعلم أن لا أحد سيأتي ليأخذها , ولا أحد غيري سيحمل عبء تنظيفها وتنظيمها ... أستيقظ في الصباح , فلا أستطيع ترك فراشي مفضوض وأغطيتي مبعثرة , ولا أجد من أجادل معها في مبدأ أن لا جدوى إطلاقاً من إعداد الفراش بشكل يومي , طالما أني سأنام فيه مرة أخري ليلاً وسأبعثره من جديد , فلا حاجة بي لتعذيب نفسي في الصباح كأسطورة (سيزيف) الذي تسقط منه الصخرة عند قمة الجبل فينزل ليحملها ويصعد بها مجدداً كي تسقط مرة أخري وهكذا , طبقا لحكم الآلهة عليه (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) وأذهب لعملي كي أعود آخر اليوم فأجد سريري مرتباً نظيفاً تغطيه مفارش جديدة قد وضعتها أمي دون جدال أو صخب... اليوم أصبح لزاماً عليّ أن أستيقظ وأرتب فراشي وأنظمه صاغرةً كي تحتفظ غرفتي بشكلها الذي عودتني أمي عليه , وأتذكر طفولة الجدال في الباطل وأني أصبحت الآن أعلم أن السرير ينبغي أن يظل مرتباً حتي لا أدخل غرفتي في المساء وكأنني أعود من معترك العمل لأرض معركة لا لغرفةٍ من المفترض أن أرتاح بها نفسياً وبدنياً ...أقوم من سريري , فلا أجد إفطاري ينتظرني علي المنضدة , وأمي تحاول بكل الطرق إقناعي بجدوى وجبة الإفطار , والركض من خلفي في كل الغرف وهي تحمل كوب الشاي باللبن والطعام كي لا أتذرع بضيق الوقت , فهاهو الطعام لن أبذل فيه أكثر من مجهود فتح فمي وابتلاعه ... يأتي اليوم الجديد وأفتح عيناي , بعد أن ضبطت ساعتي كي توقظني قبل موعدي بوقت كافٍ كي أعد لنفسي وجبة الإفطار التي لا أستطيع الصمود في يوم العمل الطويل بدونها , وأكتشف أن الطعام لن يركض خلفي ولن يبذل أحد محاولات مضنية لإغرائي كي أتناول الطعام , بل إن عليّ أن أختار بين الجوع أو تحمل مسئولية الإفطار يومياً دون كلل أو ملل ... ينتهي الأسبوع فلا أملك متعة الاستيقاظ متأخرة يوم إجازتي , لأني الآن أدرك أن المنزل لن ينظف نفسه تلقائياً , ولن تحمل أمي عبء تنظيف كل شيء بعناية , ولن تكون كبرى مسئولياتي هي ترتيب غرفتي فقط (بعد التذمر طويلاً والتعلل بأني حتي يوم الإجازة سأعمل في المنزل , وكيف يكون ظلم الإنسان لأخيه الإنسان , وأني عدت لزمن سندريلا من جديد) ... الآن أصبحت أستيقظ باكراً يوم الإجازة كي أقلب المنزل رأساً علي عقب قبل أن تفترسني أتربة الأسبوع كله , لأكتشف أيضاً إن تنظيف المنزل يندرج تحت طائلته كنس ومسح كل شبرٍ فيه , وإزالة الغبار من الأركان , وتحريك السجاجيد والموائد والكراسي كي أنظف تحتها بعد أن أكون قد نظفتها جميعاً كي لا تعيد نشر الأتربة علي الأرض ... ينتهي معظم النهار في عملية التنظيف , فلا أذهب للعب أو الاستمتاع , أو الخروج , بل يجب أن أذهب للسوق كي أشتري احتياجات المنزل التي لم تشتريها لي أمي وأعود لأغسلها كلها , وأضعها في أماكنها في الثلاجة , وأجهّزها كي لا أبذل مجهوداً في طهيها ... تلك المهمة التي كانت تنجزها أمي أسبوعياً وتصعد علي أقدامها حاملة أثقالاً اشترتها من السوق , وتصل المنزل لا لترتاح بل لتبدأ معركة الغسل الجيد للطعام ووضع كل شيء في مكانه وتجهيز الخضروات وترتيب الفاكهة في شكل لائق للتقديم , كي أستيقظ أنا لأجد الفاكهة علي المنضدة فآكل منها دون أدني تفكير في كيفية وصولها وإعدادها , بل وأذهب للمطبخ فآكل البازلاء التي فرطتها أمي بدلا من بذل عناء تفريطها لنفسي !! غير عابئة بمعاناة أمي في تجهيزها من أجل وجبة الغذاء المُنتَظَرة .... أنتهي من موقعة السوق والتجهيز , لأجد اليوم قارب علي الانتهاء ولم أعد الطعام بعد , فأخرج من الفخ للآخر , فالطعام بالنسبة لي , لم يكن سوي طبقي المملوء بما لذ وطاب من أطعمة أحبها قامت أمي بعملها لي خصيصاً بعد أن سألتني ماذا أحب أن آكل في وجبة الغذاء وعرضت عليّ الاختيارات المختلفة وقررت أنا ما أرغب فيه لأجده بعد قليل في انتظاري علي سفرة الغذاء ... فكل علاقتي بإعداد الطعام كانت الاختيار من القائمة التي تعرضها عليّ أمي وكنت أحياناً أترك لها حيرة اتخاذ القرار فلا أشترك سوي بتناول الطعام !! ... الآن أقف حائرة في المطبخ , لا أعلم ماذا سأعد اليوم .. وإذا قررت شيئاً ما فهل لدي كل مكوناته أم أني سأضطر للنزول مجددا لشراء ما نسيته ولم أضعه في حسباني ... وإذا قررت , وتوافرت المكونات , فهل أعلم طريقة الطهي أم أني يجب أن أتصل بأمي كي تخبرني كيف أعده ... ينتهي اليوم ... وأضع جسدي علي السرير , لأكتشف مدي الألم في ظهري بعد يومٍ واحد من العمل المنزلي , لأدرك وقتها أن آلام ظهر أمي لا يشعر بها أحد غيرها , ولاتشكو منها لأحد , ولا تتذمر إطلاقاً من تلك المهام التي تقوم بها يومياً ليس فقط في الإجازات

والأكثر مرارةً , حين مرضت ولم أقوَ علي الحراك , وعجزت عن وضع ذلك المرهم علي ظهري كما كانت تفعل أمي , ولم أجد من يعد لي تلك الوجبة الساخنة التي تأتي بها لي في السرير , ولم أجد من تطمئن عليّ مئات المرات في الليل وتمنعني من عمل أي شيء حتي أشفى ... شعرت ذلك اليوم بأمي التي تقوم بكل شيء لنا رغم مرضها , ونحن لا نقوم معها بنفس دورها , بل لا نشعر من الأساس بكونها مريضة , لأنها لا تلزم الفراش , ولا نقوم حتي بعمل الحساء الساخن لها , لأنها بالفعل تكون قد أعدت لنا الطعام , ولا نقوم في الليل لنطمئن عليها لأنها أساساً كانت آخر من يذهب للنوم بعد الاطمئنان علينا جميعاً  ,


أعود من العمل , فلا أجد من تسألني "كيف كان يومك" لأبدأ أنا في سرد همومي لها , ولا أبادلها حتي نفس السؤال في كيف كان يومها في العمل , أحكي لها وأشكو لها ولا أسمعها !! .. أعتبره أمراً مسَلَّما به أن تكون الأم هي من تسأل عن أحوال أبنائها , ولا أسأل نفسي ما إذا كانت تحتاجني كي أسمعها أم لا

أصبحت الآن فقط أدرك أني لن يكفيني عمري بأكمله كي أعوض أمي عن لحظة واحدة من حياتها أهدرتها علينا , لن أستطيع إعادة إحدي متع الحياة التي تنازلت عنها من أجلنا , لن أستطيع استعادة أي موقف كان يجب عليّ إراحتها فيه ولم أفعل ,... لكني علي يقين الآن , أني يمكن أن أخبرها أني "أخيراً" أُقَدّر ما فعلته وتفعله من أجلي ... الآن فقط أعلم قدسية الدور الذي تلعبه في تفاصيل حياتي .. وأدرك جزءاً من حجم معاناتها معي طوال عمري ... وأعلم يقيناً أنها ستسامحني , بل إنها من الأساس لم تشعر بمدي تقصيري لأنها تفعل كل ذلك دون انتظار المقابل أو التقدير من جانبي , بل تفعل ذلك فقط لأنها أمى

عيد الأم , ليس أبداً احتفالاً بالأم , ولا يكفي لإبداء التقدير لها .. وبالنسبة للأبناء فكل يوم في وجود أمهاتنا عيد , وكل لحظة نقضيها في جوارهن وعنايتهن , هي نعمة من الله ينبغي علينا شكره عليها ما حيينا , ولهذا لن أنتظر الحادي والعشرين من الشهر كي أعبر عن مشاعري لأمي , بل يجب أن يكون العمر كله احتفالاً بها 

أمي ... كم أفتقدك وأدعو الله أن يجمعني بك قريباً إن شاء الله , بل إني أعدّ الأيام الباقية لي هنا , كي أعود لمنزلي بين أبي وأمي وأهلي , وأعود لأتدلل عليك من جديد وأشعر برفاهية وجودك معي , مع الفارق الجديد , أني الآن أدرك كل ما تعانيه من أجلي ... وأدعو الله أن يبقيكِ دوماً لي ويعينني علي إيفاء حقوقك ورعايتك

أحبك يا أمي


فدوى نزار

Sunday, February 24, 2013

كادت تموت .. من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الأربعاء، 15 أغسطس، 2007

كادت تموت

منذ يومين قررت تغيير المياه لسمكتي الصغيرة _حيث يجب تغيير المياه التي تعيش فيها السمكة مرة كل يومين تقريبا_, ولكي أنجز مهمتي علي أكمل وجه أحضرت إناءا آخر لوضع السمكة به لحين انتهائي من تنظيف مسكنها _اللي هوة حوض السمك_ وقمت بوضع السمكة في الإناء البديل , ولكني انشغلت بعمل آخر وتركت السمكة في الإناء البديل فوق مكان مرتفع جداااا _من وجهة نظر السمكة طبعا_ وبينما أنا أهيم في جنبات المنزل بلا هدف محدد , ساقتني قدماي إلي المطبخ _حيث وضعت السمكة_ وشيء ما لا أعرفه حتي الآن جعلني أنظر إلي الإناء البديل إياه _ اللي كنت حاطة فيه السمكة _ وصُعقت لأنني لم أجدها , وأخذت أفكر هل يُعقل أن تكون قد تحولت زعانفها إلي أجنحة و طارت مثلا؟ بالطبع لا ... طيب هل يمكن أن يكون أخي عطف عليها وقام بغسل حوض السمك ثم أعادها إليه ؟ ممكن ولكني نظرت أمامي فوجدت حوض السمك مازال في مكانه فارغا إلا من سائل التنظيف الذي كنت أضعه فيه بنفسي لغسله .. إذاً لم يضعها أخي في حوضها .. فأين يمكن أن تكون قد ذهبت ؟؟


في هذه اللحظة تفتق ذهني عن تفسير مريع لما يمكن أن يكون آل إليه حال السمكة .. من المؤكد أنها ... وقعت خارج الإناء ...بس فين برضه؟؟؟


ويشاء السميع العليم أن أنظر إلي الأرض لأجد السمكة في مكان مريب .. تحت الثلاجة ... وطبعا استغربت وقولتلها _في عقلي يعني طبعا ماتكلمتش معاها , انا لسة ماتجننتش _ قلتلها بتعملي إيه عندك يا تري؟؟ ونزلتي هنا إزاي أصلا ؟؟
طيب أرجعها مكانها تاني إزاي علما بأني مش بعرف أمسكها لأنها بتتزفلط وأكيد ها تقع تاني , وبالتالي توصلت إلي خطة من النوع الجهنمي وناديت علي أخي لكي يمسكها بنفسه وقلت له إلحق يا شادى السمكة انتحرت تعالي امسكها وحطها في المية علي ما أغسل حوض السمك يمكن تكون لسة عايشة


وبالفعل أمسكها شادى ووضعها في المية وغسلت حوض السمك وحطيتها فيه وهي قاطعة النفس وقعدت أقول يا رب ماتموتش _طبعا هي زمانها ماتت وشبعت موت أثناء تفكيري العبقري والحوارات دي كلها _ بس سبحان الله لم تمت بس يمكن من نقص الأكسجين يكون جالها تخلف عقلي , آدي آخرة الانتحار


بس يا تري ليه رمت نفسها في البر وحاولت تنتحر؟ يمكن زهقت من المية وحبت تهرب ؟ أو زهقت من الوحدة _رغم إنها نوع من الأسماك يسمي المقاتل ولا يمكن وضع سمكة أخري معه لأنه سيقاتلها حتي النصر أو الشهادة _ وبالتالي فهو كائن غاوي وحدة أصلا ومالوش في الطيب نصيب


بس السؤال اللي محيرني بجد إزاي نجحت في الإلقاء بنفسها خارج المياه وكمان من فوق هذا المكان شاهق الارتفاع ؟ مفيش حل غير إنها تكون طارت وبالتالي ممكن يكون في بيتنا سمكة طائرة . سبحان الله


فدوى نزار

حالة من الركود .. من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الأربعاء، 8 أغسطس، 2007

حالة من الركود

 

لاشك أننا نشهد هذه الفترة نوعا من الخمول في العديد من المجالات , فعند بداية الأجازة مثلا كنا مصممين علي استغلال أيام فراغنا فيما يفيدنا علميا وبدنيا وفكريا وكنا قد وضعنا العديد من الخطط لتنفيذ مشاريعنا المستقبلية
ولكن , بعد مرور الأيام ونجاح أو فشل تنفيذ هذه الخطط نجد أنفسنا وقد أصابتنا حالة من الملل والركود , فلم نعد نسعي للتخطيط ولم نعد مصممين علي شغل أوقاتنا , ولم نعد نهتم بإعادة المحاولة فيما فشل من خططنا
كما لم نعد نعبأ بالمشاركة في مجالات كنا نواظب عليها منذ أيام ليست ببعيدة , فمثلا كنا من قبل نشارك بالعديد والعديد من الرسائل في الجروب البريدية الخاصة بقسمنا _قسم حاسبات_ كما كان البعض منا يشارك في المدونة بانتظام , ولكن الآن قلت المشاركات _إن لم تكن انعدمت _ , وقد يرجع السبب إلي انشغال البعض في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أنياب الزمن , حيث لم يبق إلا أيام ونعود لمعترك الدراسة المرهق الذي يمنعنا من الالتفات لأي شيء غيره حتي لو توفر لدينا الوقت
ورغم اعترافي بقوة عجلة الحياة التي تسوق كل إنسان في سبيل تحقيق التوازن الطبيعي لحركة الكون , مما يفرض الانشغال علي الجميع ويمنعهم من الترويح عن أنفسهم أو حتي ممارسة ما يريدون من نشاطات "مسلية" , رغم كل هذا فإنني لا أفضل فترات الركود خصوصا لو كان ركودا فكريا يعطل الإنسان عن التعبير أو عن إخراج ما يعتمل في نفسه , فمن رأيي أن القلم هو أقوي سلاح لمقاومة أي مشاعر سلبية أو إيجابية تدور في النفس البشرية , ولهذا فإن الإمساك بالقلم لا يعتبر مجرد هواية أو وقت مستقطع من الأيام ولكن هو ضرورة حياتية أساسية كالماء والهواء
فهذه دعوة لمناهضة الركود... دعوة للتنفس... دعوة للإمساك بالقلم والتعبير...دعوة لاستعادة النبض المنقطع ...دعوة للحياة


فدوى نزار

شخابيط .. من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الجمعة، 27 يوليو، 2007

 

لو اعتبرنا أن الحياة شيء هلامي الملامح غير مستقر المضمون ليس له تعريف منطقي محدد
ولو اعتبرنا أن نجارب السابقين فشلت في إثبات نفسها بدليل اندثارها وعدم بقاء أي معلم من معالمها سوي مجرد أطلال تدل علي ضعف البناء وهشاشة الأساس وبالتالي فلن يمكننا البناء عليها أو محاولة إقامتها من جديد ولا حتي مجرد السير علي نهجها الذي أثبت خطأه وعدم قدرته علي الهيمنة
ولو فرضنا أن لكل إنسان فكر مختلف وطريق خاص يسير فيه حسب أهوائه واختياراته الحرة الخالية من الضغوط
ولو فرضنا أن المذاهب والتوجهات الحالية لاتناسب كل شخص أو بالأحري إذا وجد شخص ما شيئا يعجبه في أحد التوجهات فإنه لن يلبث إلا أن يجد ما لا يقنعه وبالتالي سيجد نفسه مخيرا بين ترك التوجه كله أو قبوله علي عيوبه ومحاولة التأقلم معه وفرض هذه العيوب علي عقله البشري صعب المراس
ولو فرضنا أن معظم أصحاب التوجهات الفكرية أو الدينية أو السياسية يكتشفون بعد فترة أن مذاهبهم لم يكن لها أي أساس من الصحة ولكن يستمرون في بث سمومها للآخرين لرفضهم الاعتراف بالخطأ كطبيعة في النفس الأمارة بالسوء
ولو فرضنا اتفاقنا علي أنه لا يوجد إنسان أيا كان له خط فكري واحد أوحد لا يخالطه أي فكر آخر , بمعني أنه لا يوجد إنسان ديني فقط أو سياسي فقط أو ثقافي أو فني أو أو أو , ولكن التركيبة الإنسانية المعقدة تفرض علي الإنسان التنوع في كل شيء فاليوم أتبني قضية ثقافية وغدا أدبية وبعده دينية وهكذا , وبالتالي فلا يمكن أن أحسب علي نفسي أو أحتسبها تنتمي لتيار معين لأنني بهذا أناقض الطبيعة الإنسانية المتنوعة
ولو فرضنا أن حياة كل مواطن هي قطعة من الصلصال يشكلها كل فرد كما يشاء وكما يليق ويتماشي مع تفكيره وآرائه وبهذا تصبح الحياة لوحة بيضاء والإنسان رسام فطري له مطلق الحرية في شخبطة تفاصيلها
لو أقررنا بصحة هذه الاعتبارات والفرضيات فكيف سيكون شكل لوحات حياتنا ؟ كيف سنرسم خطانا ؟ كيف سنسطر الفن المجرد من الشعارات الواهية والمؤثرات العبثية؟ وهل سنسعد بنتاج معارض أعمارنا أم سيشاهده الآخرون غير مكترثين بالتدقيق في خطوط اللوحات المشاركة بهذا المعرض؟ وهل سنصبح في النهاية أطلالا كما رحل عنا السابقون؟أم سنترك لوحات يقال عنها فيما بعد أنها رائدة الفن التجريدي التكعيبي السريالي الدنيوي ويصبح كل منا سلفادور دالي الواقعية ؟!!... سؤال يطرح نفسه

فدوى نزار

قبل أن تتحول حياتك إلي حلة محشي .. من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الجمعة، 6 يوليو، 2007

قبل أن تتحول حياتك إلي حلة محشي


هل توقفت لحظة لتسأل نفسك عن سبب وجودك في الحياة؟
بالطبع لم يخلق الله أي شيء دون علة , وبالتالي فمن المؤكد أن لكل منا غرض معين خُلِق للقيام به , ولكن كم من الوقت سنأخذ لنكتشف هذا الهدف من خلقنا ؟ , وكم من الجهد سنبذل لتحقيق مساعينا , وهل أصلا سنحاول تحقيق ماعرفنا أنه وظيفتنا في الحياة أم فقط سنكتفي بمعرفته مدعين أن هذا في حد ذاته إنجازا حيث قد يمضي العديد من البشر طوال عمرهم دون معرفة أو حتي السعي لمعرفة الهدف من وجودهم في الحياة
هل فكرت في يوم من الأيام فيما ستتركه للعالم بعد رحيلك ؟ هل فقط ستترك رفاتك كدليل علي وجودك في أحد فترات الزمن ؟ أم أنك ستترك عملاً جليلاً يخلّد ذكراك مهما مر علي رحيلك من أجيال؟
ليس بالضرورة أن تترك اختراعا أو اكتشافا وليس بالضرورة أن يعود عملك بالنفع علي البشرية جمعاء ولكن قد يكون عملا يُحفَر في ذاكرة فرد واحد أو أكثر , قد تكون حتي مجرد بسمة ترسمها علي وجه شخص يحتاج للابتسام
ليس العمل بكِبَر حجمه ولكن بكبر تأثيره , فليبحث كل منا عن هدف لحياته قبل أن ننغمس في روتين الحياة وحيدة الوتيرة ونتحول لمجرد تروس في عجلة الأيام , هيا بنا نبحث عن التغيير قبل أن تتحول حياتنا إلي وجبة دسمة من الملل



فدوى نزار

عماد غانم ... من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الخميس، 5 يوليو، 2007


عماد غانم


إذا كنتم من مشاهدي قناة الجزيرة الإخبارية فلابد وأنكم قد تابعتم هذا المشهد المتكرر المستفز للممارسات الإسرائيلية ليس ضد الفلسطينيين ولكن ضد الجميع , فهاهي تنطلق من مجرد كونها مستعمِر ينتشي بقتل أصحاب الأرض الأبرياء إلي إرهابي يتلذذ بإراقة دماء البشر من مختلف التوجهات والجنسيات .. فهاهي اليوم تطلق نيرانها علي مراسل قناة الأقصي عماد غانم(23 عاما) ولا تكتفي بهذا بل تظل تقصفه إلي حد بتر ساقيه رغم علمها بكونه صحفي يعمل فقط علي إظهار الحقيقة , هذا المُراسل الذي يرقد الآن بين يدي الله عز وجل ليس أمامه سوي خيارين الحياة دون ساقين أو الموت واللحاق بركب شهداءالحقيقة علي أيدي الكيان الصهيوني الأجوف , هذا الشيء الذي ظل ينمو تحت أعيننا
وأعين غيرنا إلي أن صار سلاحا موجها ليس نحو أعناقنا فقط بل حتي نحو أعناق مؤيديه .
عماد غانم ... ليس أول صحفي يتعرض للهجوم الموجّه من الإسرائيليين , بل والأكثر فقد تعرض العديد من الصحفيين الأجانب وليس العرب لذات الهجوم وسط صمت حكوماتهم المؤيّدة أحيانا لإسرائيل , هذه الحكومات التي خلقت وحشا ما أن حانت له الفرصة إلا وشرع في التهام مبدعيه أنفسهم , فهل نشاركهم في الجُرم ؟ هل نتحمل دماء هؤلاء الضحايا ؟ هل نصعد إلي أكذوبة السلام مع إسرائيل علي جثثهم ؟ هل نحتسي دماءهم احتفالاً ببُعد العدوان عن أراضينا ؟ هل ننغمس في شعاراتنا عن انقشاع الاستعمار ببركة دعواتنا دون أن نحرك ساكنا ؟ هل ننتظر معجزة من السماء تزيل بنيانا شيدته أيدينا ؟؟؟؟؟ إلي أن ننفر لتحرير أنفسنا .. لك الله يا عماد , ولكِ الله يا فلسطين , ولنا الله عسي أن يُجِرنا من ذنب كل قطرة دماء تلوٍثُ أيدينا قبل أيدي العدو
.

للمزيد زوروا موقع الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F06E0D8B-BE98-445A-9752-8E7EA9DAD30F.htm

فدوى نزار

الفن .. من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الثلاثاء، 3 يوليو، 2007

الفن

هل توقفت في يوم من الأيام لتسأل نفسك ما هو الفن ؟ وما معني أن يكون المرء فنانا؟ وهل الفن يختص بمجالات معينة دون الأخري؟
الإجابة بكل بساطة أن الفن هو القدرة علي التعبير عما يدور في مخيلتنا أيا كان , فالكتابة فن والرسم فن والنحت فن والحياكة فن وحتي الهندسة والطب وكل المجالات ماهي إلا فنون تتم ممارستها بأسس علمية , ولكن المهم عند الشروع في ممارسة فن ما هو أن تطلق العنان لخيالك مثل أن تمسك بريشتك وأنت لا تدري إطلاقا ماذا سترسم ولكن فقط تترك لخيالك القيادة وتطلق ريشتك في جنبات صفحتك البيضاء لتخُط بها ما تشاء من رسوم ستكون في النهاية لوحة تحاكي أفكارك وتعبر عن مدي اتساع خيالك الحر
والفن قد يتسع مفهومه أيضا ليشمل التصرفات والمواقف , فردود الأفعال علي اختلافها تعكس الطبيعة الفنية لدي كل فرد , فهناك من ينفعل بلا أدني تفكير في عواقب انفعاله , وهناك من يتعامل بفن وحرفية مع المؤثرات المختلفة مما يجعله أكثر قدرة علي استيعاب والتفاعل مع الضغوط مهما كانت شدتها
ويمكن أن نخلص إلي مفهوم عام وشامل مفاده أن الفن هو وسيلة يرتقي بها الفنان إلي عالم يؤهله للنظر إلي الواقعية برؤية مختلفة , رؤية لايعيها سواه ولا يستطيع التعبير عنها غيره , ليصبح الفنان بذلك ملك متوج في مملكته الخاصة التي لا تعزله عن الواقع ولكن تعلو به فوقه وتتيح له نظرة أعمق علي مكوناته
فليوقظ كل منا روح الفنان المستكينة بداخله , وليطلق خياله للعنان كي يحلق في سماء مملكته الفنية مترامية الأطراف
 
فدوى نزار

Saturday, February 23, 2013

حين كان "الأتاري" بدعة ... من أرشيف كتاباتي في مدونة "كلنا واحد" أيام الجامعة

الأربعاء، 27 يونيو، 2007

حين كان "الأتاري" بدعة

 

منذ عدة سنوات _كتير_ خرج علينا عالم الاختراعات بجهاز عجيب _كان عجيب ساعتها_ يسمى الأتاري , وكان الحلم الأوحد للأطفال من مختلف الأعمار استكشاف الأتاري سواء عن طريق امتلاكه واللعب به في المنزل أو في أماكن ومحال مخصصة للعب الأتاري ومايسمي بالفيديوجيم
ويمر الزمان وتتلاحق خطوات التطور لتخرج لنا من جعبتها البلاي ستيشن التي انتشرت كالنار في الهشيم وأصبحت هي المكان الوحيد المحتمل تواجد الأطفال به علي طريقة "فين فلان ؟ في البلاي ستيشن" _ليس بالطبع في الجهاز نفسه ولكن في محل الألعاب التي تسمح بالبلاي ستيشن_
وكما هو الحال يستمر التقدم ويتسارع دوران عجلات التطور ونفاجأ بأعجوبة حية تسمي _خير اللهم اجعله خير_ "الكمبيوتر"
هذا الشيء الذي يصعب تسميته جهازا لأنه من المؤكد أرقي كثيرا من كونه جهازا عاديا , بل إنه تخطي هذا الموقع بمراحل , فهو قد يكون صديقا في بعض الأحيان نمارس معه الألعاب المتطورة , أو معلما في أحيان أخري ننهل الكثير من غزارة ما يحتويه من معلومات عن جميع المجالات , أو هو حتي لوحة فنية نرسم قسماتها كما نحب ونختار ألوانها كما يحلو لخيالنا ... إنه حقا شيء يستحق التعمق في تفاصيله لمحاولة العثور علي جواب واضح لعلامة الاستفهام الكبيرة التي تواجدت في رءوسنا منذ ظهوره علينا
ولهذا ..كان حري بنا الانتقال من مرحلة الاستخدام إلي مرحلة الدراسة لإيجاد لغة تفاهم مشتركة بيننا وبين هذه الأسطورة المتمثلة في "الكمبيوتر" , وبالتالي انضممنا إلي قافلة مستكشفي هذه الظاهرة وأصبحنا _علي اعتبار ما سيكون إن شاء الله_ أحد حلقات سلسة مهندسي الكمبيوتر .
ولأن الكمبيوتر أحد أهم وسائل الإبداع _ووسائل النشر_ فقد قامت فكرة المدونة التي _أتمني_ أن تكون مجالا للتعبير .. ليس فقط من وجهة نظرنا الهندسية ولكن من واقع كون كل شاب نواة لمبدع كبير علي الطريق ..
فهيا بنا ... نبدع
فدوى نزار

Wednesday, February 13, 2013

شعار مرحلتي القادم : أطبطب وأدَلَّع !!


بالأمس .. (حرفياً .. يعني منذ قرابة ال 24 ساعة ) كانت تُلح عليّ فكرة أن في هذا العالم لن يستردّ الإنسان حقه إلا بطريقتين فقط لا ثالث لهما 

إما بالتوجه إلي الله " الحَكَمُ العَدل" ليرفع عنك الظُلم ويرد كيد من ظلموك في نحورهم .. وعن تجربة , دائماً أبداً يكون عقاب الله عز وجل للظالم أقوى كثيراً من أي انتقام قد تتخيله ... بل إنك غالباً ما تري ثأرَكَ فيمن ظلموك واضحاً جلياً .. وتُدرك تماماً حقيقة قول إياك أن تظلم من لم يكن له ناصرٌ عليك إلا الله

أو أن تنتزع حقك بنفسك (أيضاً عن تجربة , لا يوجد في هذا العالم المُجحِف من يقف معك ضد الظُلم .. أصبح للبشر حساباتٌ أخرى للأسف) وبالتالي لن يناضل أحد من أجلك سِواك

وبالفعل , علي مدى أكثر من عام .. بذلت قصارى جهدي في انتهاج الحَلَّين علي أكمل وجه .. فسَعَيت من أجل انتزاع حقي بكل بسالة .. وحدي .. وتضرعت لله عز وجَلّ بكل إخلاص كي ينتصرَ لي وقت أن تخلي عني الجميع .. وبالفعل , أراني الله انتقاماً جعلني - من شدّته - أقرر الدعاء لمن يظلمني بعد الآن بالهداية بدلاً من الدعاء عليه بالقصاص العادل

كذلك الحال مع أخذي حقوقي بيدي (أو بقلمي في أغلب الأحيان) فبالطبع طالما أنعم الله عليّ بموهبة الكتابة , فإني أُحسِن اسغلالها في جعل كلمتي سيفاً باتراً ... فبكل بساطة , كلمة واحدة (بكل أدب) أقسي من سهمٍ مسموم

لكن منذ دقائق قليلة فقط .. أدركت أن الحالتين السابقتين تساهمان في رفع معدّل التحفُّز لديّ , فبالفعل أصبحت أكثر قابلية للغضب لأتفه الأسباب .. وأصبحت دمائي قابلة للاشتعال السريع وأعصابي تصل لأقصى مؤشراتها فجأة ودون إنذارٍ مُسبَق ... وبالتالي تصبح ردود أفعالي عنيفة وشرسة رغم تفاهة المواقف في بعض الأحيان .. مما يؤثر سلباً علي سلامي النفسي وعالمي الهادئ الذي اعتدته قبل عامٍ مضى

ولهذا .. قررت استعادة الإنسانة الوديعة التي فقدتها نتيجة اصطدامي بالظُلم والضلال والغدر .. وألا أدع قُبح الآخرين يشوّه الصورة التي أتمني رسمها لحياتي .. وبالتالي .. سأحاول جاهدةً أن أقابل الإساءة بإحسان , وبدلاً من العُنف .. هاطبطَب وأدلّع ... يمكن

فدوى نزار