Wednesday, May 15, 2013

كلمة .. صورة .. وما وراءهما


ليس كل ما تقرأ صادق ... وليس كل ما تري واقع

لا أدري كيف كنت سأصمد في هذا العالم بدون الكتابة ... فالورقة هي العالَم الذي أُبحِرُ فيه بقلمي كي أنجو من ضغوطٍ وأحداثٍ قد تفتك بي إذا لم أجد متَنَفَّساً ينتشلني من براثنها ... حتي أن إنتاجي الكتابي كان يصل لقِمَّته أيام الامتحانات أو ضغط العمل أو الأحداث الحزينة في حياتي ... بل إن أفضل ما كتبت كان في أكثر الأوقات قسوة وألماً واكتئاباً ... قد يكون السبب أن الإنسان بطبعه يكون في تلك اللحظات أكثر حساسيةً من غيرها , وبالتالي مشاعره أكثر هشاشة وعُمقاً , وتأثره بما حوله أقوي , فتصبح قدراته علي التعبير في أبهي صورها , وقلمه يتحرك علي الصفحة البيضاء بمرونة ونشاط وثقة أكثر من أي حالات أخري

المُدهِش في الأمر .. أن ما يكتب قد لا يعكس إطلاقا ما يشعر به !! فأحيانا كنت أكتب سطوراً مليئة بالتفاؤل والحماسة رغم غرقي في الإحباط والحزن ... أو أكتب عن المعاناة والألم رغم وجودي فوق قمة السعادة !! ... الموقف بحذافيره يتلخص في مؤثر خارجي (سواء سلبي أو إيجابي) يدفعني بكل قوة للإمساك بقلمي وترك العنان له كي يكتب ما يريد ... كأنما أطلقت جواداً - غير مُدَرَّب - في غابةٍ مترامية الأطراف .. يذهب فيها حيث يشاء , ويسلك أي طريقٍ تأخذه أقدامه إليه ... لا يعرف إلي أين يريد الوصول ولا توجد لديه حدود للزمن ... تختفي كل العوامل من حوله , فيصبح العالم كله هو الورقة والبطل الوحيد هو القلم , وبعد انتهاء الموقعة .. تنظر للورقة فتجد أشلاء حروفك مبعثرة علي أرض المعركة تاركةً ما قد لا يمت لشعورك بصلة ... لكنها فقط تدع جزءاً منك يخرج علي تلك الورقة ليريحك ولو لبرهة من إرهاق الحياة بحلوها ومرارتها

والمفارقة , أن "المتلقي" حين يقرأ كلاما كتبه شخص آخر , فهذا يعني أن الكاتب قد قرر مشاركة ما خطّه مع الآخرين ... وهذا في حد ذاته قد يعني أن ما كتبه ليس التعبير "الصريح" عما يريد أن يقول ... عن تجربة ... حين يعجز قلبي وعقلي عن احتجاز مشاعري , وألجأ إلي وريقاتي كي ألقي ما في جعبتي علي كاهلها , وأكتب ما أرغب في قوله دون مواربة , فإن هذه الوريقات لا تغادر مساحتي الخاصة أبداً ولا أشاركها مع أحدٍ قط ... فهي كمن يتحدث إلي نفسه ... أما الكلام العام , فيخرج للآخرين وتتم مشاركته ونشره وتداوله ... بالطبع يكون أيضا كلاماً صادقاً , لكنه لا يحتوي علي الحقيقة الكاملة ... أو قد تكون الحقيقة مخفية عمداً بين طيات الكلام ... لا يفهمها من "يقرأ" لكن يفهمها من "يشعر" بما يقرؤه

بالضبط كأي صورة نراها لمجموعة من الأفراد ... جميعهم يضحكون .. جميعهم يظهر عليهم المرح ... لكن خلف كل ابتسامة مرسومة تكمن مئات المشاعر التي تحاول الاستتار عن طريق تلك الابتسامات ... نعم هي ابتسامات صادقة , لكنها غير معبرة


الكتابة , زي التصوير .. الاتنين بيخلّدوا ذكرى معينة ... الكتابة بتحكي حكاية لكن الصورة بترسمها ... الكتابة مش شرط تجسد الحقيقة , يمكن تخبيها بين السطور... , زي الصورة , اللي بتشوفه فيها مش بالضرورة يكون حقيقي ... سواء الكتابة أو الصور .. الاتنين محتاجين حد يحس , يقرا بين السطور ويفهم لغة العيون عشان يقدر بجد يعرف الحقيقة

فدوى نزار

1 comment:

الشافعي said...

قدرتك على الكتابة والتعبير ولو عن جزء يسير ممايدور بداخلك هي نعمة من الله تستحق الشكر ... وربنا يبارك لك فيها :)