Sunday, May 12, 2013

الغِناء

لن أتطرّق للجانب الديني , أو ما تحمله الأغاني من لهو الحديث و المعازف 

لكن من واقع كوني أحب الكلمة المكتوبة , فإني أري أن الغناء ماهو إلا جريمة في حق الشعر ... اختزال لقصيدة معينة , في بعض الأبيات المنتقاة عشوائيا لتناسب اللحن "المُفَصَّل" خصيصاً لإجبار المستمع علي الشعور بما لم تستطع الكلمات ولا صوت المغني إيصاله له ... لتتحول مشاعر إنسانٍ مُرهف وعصارة قلبه ودموعه وتجاربه وسعادته من قصائد تتفجر بما تحمله من انفعالات , إلي شيء مُبتَذَل "يدندنه" شخص ما في إحدي "دورات المياه" مثلا

فبدلا من قراءة الشعر , وإطلاق العنان لخيالك لتصوّر مدي البلاغة في كل بيت تقرؤه  وسفرك إلي عالم آخر يحملك إليه كل حرف تنتقل إليه عيناك والموسيقي الخاصة بك التي تؤلفها وتستمع لها وحدك وبطريقتك علي سُلّم الوزن الذي قدّمه إليك الشاعر ... بدلا من انفرادك بتجربتك المُبتَكَرة , أصبحت مُكرَهاً علي تخيل صوت "نجاة الصغيرة" في كل مرة تحاول فيها التساؤل "متي ستعرف كم أهواك يا رجلا أبيع من أجله الدنيا وما فيها" كما تساءل نزار قباني ... بل وتقفز إلي أذنيك مأساة تغيير كلمة "رجلا" بكل سذاجة إلي كلمة "أملا" ... وكل هذا تصحبه موسيقي مستفزة لا تليق أبداً بمستوى القصيدة

نفس الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها أم كلثوم في حق أبي فراس الحمداني وحق اللغة العربية حين غيرت "بلي" إلي "نعم" في "بلي أنا مشتاق وعندي لوعةٌ ولكن مثلي لا يذاع له سرٌّ" ... ليس فقط للجَهل البيّن الذي قلب المعني رأساً علي عقب , ولكن مَن مِن البشر يملك العَبَث بمشاعر الآخر وعذابه وأفكاره ... من يعطي لشخص ما الحق في تزييف إحساس شخص آخر  ... ناهيك عن كون أغاني أم كلثوم تبدأ بعد مقطوعة موسيقية مُبالََغ في طولها تجعلك تنسي أي قصيدة ستغني بل وتفقد اهتمامك بأي كلمات ستُقال

والأفدح أثراً وما أخشاه , أن يأتي زمنٌ تختفي فيه أبيات كاملة من القصائد لمجرد أن كاظم الساهر عجز عن تلحينها فقرر حذفها من أغانيه  .. فأصبح "الحب المستحيل" يخلو من " أحبُّكِ جداً وأعرف منذ البداية بأني سأفشل , وأني خلال فصول الرواية ساُقتَل , ويُحمَلُ رأسي إليكِ .. وأني سأبقي ثلاثين يوماً مُسَجَّى كطفلٍ علي ركبتيكِ وأفرحُ جداً بتلك النهاية " ... وأصبحت حين أرغب في قراءة القصيدة و أبحث عنها علي صفحات الشبكة العنكبوتية فلا أجد سوي النسخة المُغتالة علي يد كاظم ولا أجدها إلا بعد رحلة بحث مضنية تساهم في زيادة قتامة وجهة نظري عن الأغنية كمبدأ

مفهومي عن الأغاني وما ترتكبه في حق الشعر , هو نفس مفهومي عن ما ترتكبه الأفلام في حق الروايات المكتوبة ... كلاهما قَتلٌ للخيال والإبداع والمشاعر , وتزييف للحقائق ووضع سجون علي عقول المتلقي تمنعه من الغوص في عالمه الخاص


فدوى نزار

No comments: