Saturday, December 8, 2012

البَيت المَهجور



لا أعلم لمَ تذَكّرت ذلك البيت فجأة .... البيت الملاصق لبيتنا القديم ... لايسكنه أحد ولا يتفقّده أحد ... لا نعلم من يملكه , ويمثّل بالنسبة لأطفال في مثل عمرنا أنا وأخي قمة المغامرة ... نسترجع تحذيرات أبي وأمي بعدم التسلل إليه مخافة أن يتهدّم سقفه ونسقط ونتأذى ... نتخيل إمكانية صدق أقوال الآخرين بأن هذا المنزل يحتوي عدداً لا بأس به من الأفاعي والحشرات وما قد يكون أبعد من قدراتنا علي التخيل ... ندرك "من شكل المخلفات التي تملأه" أنه بالتأكيد لم يدخله أحد منذ عشرات السنين .... نستجمع شجاعتنا وطفولتنا بعد عجزنا عن مقاومة حس الاستكشاف والمغامرة والتمرد ... نتوكل علي الله , ثم نعبر فوق السور القصير الذي يفصل سطحَ بيتنا القديم , عن سطح اللغز الذي نوشك علي كشفه ... سطح البيت المهجور

نأخذ خطوة حَذِرةٌ تلو الأخري ... لم ينهار السقف (ولله الحمد) ... نصل للسلم , ننزله حثيثاً وفي ترَقُّب , يُصبِح الأمر أسهل تدريجياً .. نصل للدور السفلي , ندخل الغرفة تلو الأخري , بيت يشبه غيره من البيوت , حجرات وردهات وأبواب متهتكة , تكاد تلك الأطلال  , تنطق لتخبرنا بما تحمله من ذكريات وأشواق لسكّانٍ تركوا جزءاً من أعمارهم  في هذا المنزل ورحلواْ

لا أعلم هل يمكن للبيت أن يفتقدَ ساكنيه ؟ وهل يفتقد السكان المهاجرونَ بيوتهم ؟ ... هل يذكرهم كما يذكروه ... وينعاهم كما ينعوه ... هل سيسعد بهم إن عادوا أم سينساهم ولا يتعرّف عليهم

كنت طوال عمري في منزلنا القديم أنتظر بشغف عودة أصحاب هذا البيت المهجور لِأَشهد إحساسهم لدى دخولهم بيتهم واستعادتهم لذكرياتهم وركضهم بين غرفه المختلفة ورؤيتها ليس كما هي مهجورة ومكسورة , بل كما كانت حين تركوها , ملوّنة مرتبة ... يشاهدوه بقلوبهم وليس بأعينهم .. يعيدوا ترميمه وفرشه .. يبعثوا فيه الحياة من جديد

لكن بعد سنوات من انتظاري ... جاء أناس مختلفون ... هدموا البيت المهجور , ودفنوا معه أطلال أُسرة كانت قديماً تعيش فيه , وبنوا بدلاً منه بيتاً جديداً مختلفاً ... وكأن شيئا لم يكن 

الآن , حين أمر علي بيتنا القديم ... أراه وقد اقتحمت أسواره وأعتابه المخلّفات  ... وفَقَد الرّوح التي كانت تدل علي تمتعه بالحياة ... وأري البيت -الذي كان مهجوراً - بجانبه وقد سكنته الأسرة الجديدة ... أنظر لبيتنا القديم , أراني فيه أركض وألعب مع أخي ومع أصدقائنا ... أري الحائط الذي كانت أمي تعلّق عليه إبداعاتي الفنية الطفولية .. أري غرفتي القديمة , ودرّاجتي التي كنت أركبها فوق سطحه الواسع ... أري سنوات عمري السعيدة وأولي خطواتي في هذا العالم ... أري المنزلَين وأُدرك وقتها أن بيتنا القديم , صار هو .. البيت المهجور

فدوى نزار