Monday, December 26, 2011

كم أحبُّكَ يا ديسمبر


ليت الشتاءُ يستمر للأبد ... بأجوائه وأمطاره وضبابه وغيومه وعواصفه ... بإحساس الاختلاف الذي يُضفيه علي كل شيء , فالانطلاق في الشتاء يختلف عن الانطلاق في غيره , حتي كوب الشاي الدافئ في الشتاء له مذاق وتأثير رائع يختلف عن باقي فصول السنة ... ديسمبر ... يجعلني أشعر بقيمة كل شيء , أتوق لتَحَسُّس قطرات المطر المنهمرة التي تغمُرُ قلبي تفاؤلاً واستبشاراً ... أدخُلُ في سحابةٍ ضبابية لا أري فيها سوى الغموض وأجدُني فجأةً وقد دخلت من عالم الصَخَب إلي عالمٍ آخر لا يسكنه سواي , ولا أري فيه أبعد من موطئ قدمي , عالم من السكينة والتأمُّل والصفاء النفسيّ ... أنظر للسماء بغيومها الداكنة , أستطيعُ حقاً أن أري تفاصيلَ تلكَ الصفحةِ البيضاء الشاسعة , التي تغطي كَونَنا المحدود , والتي لا نقدِرُ معظم الوقت علي اختراقِ خصوصيتها لشراسة حارسها الدائم "الشمس" والتي تمنع أعيننا من استراق النظر إلي السماء إلا في أوقاتٍ مُحددة فقط كالغروب والشروق ... أستمعُ إلي سيمفونيةٍ طبيعيةٍ تعزفها الرياح علي أوتار النوافذ الصامدة , فأعلمُ أن هناكَ أنغامٌ لايصنعُها البَشر , أنغامٌ تعبَثُ بقلبي وتثيرُ وَحشَتَه ... أستيقظُ في الصباحِ الباكِر , أشعُرُ بتلك القشعريرة المُنعِشة للجو البارد , تُزيدُ نشاطي ورغبتي في الإسراع لَمُلاقاتها ومُداعَبَتِها بقَلبٍ مفتوح , وأوصالٍ يدُبُّ فيها النشاط.

حتي السريرُ الوَثيرُ في الشتاء يختلفُ عن غيره ... فهو لم يَعُد مكاناً روتينياً نقصده فقط لأداء وظيفة بشريّة طبيعية لابد منها , بل هو ملجأٌ من البرد القارس نشتاقُ إليه ونركُضُ من أجل الغَوصِ في دفئه والاحتماء به ... حتي المشروب الساخن التقليدي اليومي لم يعُد يملأُ فقط بطونَنا , بل يغمُرُنا بالسكينة مع كُلِّ رشفةٍ تتسلَّلُ إلي أعماق أجسادنا المُرتعشة , فتُهَدِّئُها وتُعيدُ إليها مُرونَتَها وإيقاعَها الطبيعيّ.

كُلُّ شيءٍ يتحَسَّنُ في الشتاء ... كُلُّ شيءٍ يَتَبَدَّلُ في ديسمبر.



فدوى نزار

Tuesday, December 13, 2011

على صهوةِ جَوادٍ بَرّيّ


لا أدري لِمَ تنتابُني رغبةٌ عارمة في الانطلاق ... التحليقُ بعيداً عن كلِّ شيء ... المرور عبر كلِّ الحواجز , وعدم التقيُّدِ بأيِّ حدود ... تصبح السماءُ البعيدةُ صفحةً أرسُمُ عليها كيفَ أشاء , والليلُ الضبابيُّ يُضفي السكينةَ علي قلبي الثائر ... تمُرُّ نسائم الشتاء الباردة المُنعشة فتتخلَّلُ أعماقي المُنهَكة وتملؤها سعادةً وأمل ... يظهرُ القَمرُ بَدراً خلف السُحُبِ العشوائيةِ المتناثرة , فيعكِسُ أضواء الشمسِ الغائبة دونَ المساسِ بتلك الأجواءِ الهادئة المُطَمئِنة ... أُنصِتُ جيداً لأتحققَ من ذلك الصوت العابث بالحشائش من حولي , فأرى من قرر مشاركتي تلك اللحظة المُمَيَّزة , وإضافة نكهة من البهجة والتحرر عليها ... هذا الجواد البريّ الأسود اللامع الذي لم يطأه فارسٌ من قبل .. يقترِبُ مني بحذر .. وأنا أتَرَقَّبه في صمت حتي لا أُثير رهبته .. وحتي لا يهرب من إطارِ لوحتي .. يأتيني حثيثاً .. بالطبع يشعُرُ بسعادتي واشتياقي لصُحبَته .. يُبادِلُني نفس الإحساس بالأُلفة .. أمُدُّ يدي لأتحَسَّسَ رقبته الشامخة .. يختالُ في زَهوٍ وودّ .. أُحاوِلُ تسلُّق ظهره .. يُماطِلُ في البداية , ثم يترُكني أخيراً أمتطي صهوتَه ... وينطلق


فدوى نزار