Monday, May 16, 2011

هل حقا نعرف الآخر ؟! ... إليك أعني واسمعي يا جارة

بطبيعة نشأتي وحياتي في الريف المصري الأصيل , أصبحت أشعر أن مصر لا تنقسم فقط بالحدود السياسية المسماة "محافظات" ... بل إنها تنقسم إنسانياً إلي سكان القاهرة وسكان المحافظات (والقاهرة هنا تشمل مجازا محافظات القاهرة والجيزة وما يجاورهما .. بينما المحافظات تحمل في طيّاتها الدلالة علي الريف المصري ... أطراف القارة المصرية مترامية الأطراف)

فسكان القاهرة يعتبرون أنهم أهل الحَضَر بينما يعتبرون سكان الريف هم أهل القُرى (وما يتبع ذلك المفهوم من اعتقاد راسخ بأن القاهرة هي فقط موقع العلم والمعرفة والصناعة وكل أشكال ومؤهلات التقدم , وأن الريف المصري يعيش في قرية معزولة عن العالم الخارجي منهمكين في الزراعة وتربية الحيوانات ولايملكون ما يدفعهم للسعي للعلم أو المعرفة ... مما يضع أهل القاهرة في مكانة العالم الأول , وأهل القرى في موقع العالم الثالث)

هذا المفهوم (الخاطئ) جعلني أُدرك سبب اعتقاد سكان قارة أوروبا (حين كنت هناك عام 2004) بأن سكان مصر ماهم إلا رعاة أغنام يركبون الجمال ويرتدون العباءات السوداء ويعيشون في الخيام .... كنت من قبل أتخيل أن سكان القاهرة لا يعبأون بالتعرف علي الريف المصري , وأنهم يحكمون علينا (سكان الريف) حكما خاطئا دون أدنى محاولة للفهم أو تحرّي الموضوعية في البحث ... وكنت أري سكان القاهرة في موقف العاجز ... الذي يتحدث عما لا يعرفه , ويتمادى في المجاهرة بجهله .... وكنت أسخر منهم لمعرفتي (اليقينية كإحدى سكان القرى) بأننا مثلهم تماما في التقدم بل إننا نزيد عليهم في احتفاظنا بالأصالة والمودة التي تخلوا منها شوارع وميادين القاهرة.

حين فوجئت بالمفهوم الأوروبي عن مصر وشعبها (وحين فوجئوا هم بأننا _سبحان الله_ بشر مثلهم نرتدي ملابسهم ونتحدث لغتهم وندرس نفس علومهم ) حينها فقط أدركت أن المشكلة تكمن فينا نحن (شعب مصر) لأننا لا نستطيع الترويج لأنفسنا , ولم نحاول تغيير مفاهيمهم عملياً ... وأن مكانتنا التاريخية جعلتنا نُعلن للغرب فقط عن الأهرام والآثار والخيول والجِمال , ما جعل أهل الغرب يتصوَّرونا فراعيناً نحيا في زمن ما قبل التاريخ

نفس خطئنا (أهل الريف) حين تركنا سكان القاهرة يعتبرونا زُرّاعاً نحيا في الحقول ونركب السيارات التي تجرُّها الدواب (أو نركب الدواب نفسها إذا لزم الأمر) , ولم نحاول أن نعلن عن تقدمنا ووعينا وتحضُّرنا , فأصبحنا نعيش حياةً مزدوجة رغم كوننا نلتحف نفس السماء ونفترش نفس الأرض

أعتقد أن معظم مشاكل حياتنا كمصريين تكمن في فشلنا في فهم الآخر (سواء نتيجة تقصيرنا نحن أو تقصير الآخر في حق نفسه) ... النتيجة أننا نعيش في عالم واحد دون أن ندرك أبعاده وتفاصيله الدقيقة , ورغم هذا نريد تحقيق الاستفادة الكاملة من عناصره ... فكيف لنا هذا ؟!
كيف أتعامل مع شخص لا أعرف عنه شيئا , كيف أحكم علي إنسان لم أتعامل معه من قبل , كيف أقفز لنتائج معادلة لا أملك معطياتها.

فدوى نزار


No comments: