Friday, December 17, 2010

الفصل الخامس والعشرون


كم هي مُعقَّدةٌ تلك الرغبة في تلخيصِ حياةٍ بأكملها في بضعة سطور .., وكم هي متناقضةٌ تلك الأحاسيس التي تغزوني أثناء تفكيري في سنين عمري واستعادة ذكرياتي السعيدة منها , والمؤلمة

لا أشعر أن خمسة وعشرين عاماً بالفعل قد مضت !! كانت مثل بُرهة يقضيها المرءُ في تصَفُّحِ فصولَ كتابٍ مجهول .. ممتع , مثير , مريب , مُبهِج , قاسي .., لكنه يعلِّمُنا الكثير بلا شك ... نحبه ونتعلَّقُ به , ليس لجماله ولكن لعلمنا أنه كتاب لا يمكننا الابتعاد عنه أو استبداله بآخر يُحقِّق رغباتنا التي لا نتمكن من تحقيقها في كتابنا الحالي ... كما لا يمكننا اتخاذ القرار بغلقه وقتما نشاء , لأن غلقه أمر حتميّ لا نعرف موعده ولا كيفيّته ., فإما نرضَى بكتابنا ونحاول قدر الإمكان الاستمتاع بكل حرفٍ فيه , وخَطّ ما يحلو لنا من ملاحظات أو تعليقات أو تنبيهات في هوامشه البيضاء .., وإما نرفُضه ونقضي وقتَنا بين فصولهِ عابسين غاضبين وكأنه لعنة أُصِبنا بها ولانعلم لها من مُنقِذ ... بل إن البعض يحاولون وضعَ كلمة النهاية بأيديهم لعدم قدرتهم علي الاستمرار في تصفُّحِ ذلك الكتاب العميق.

الآن ... وبعد انتهائي من مطالعة الفصل الخامس والعشرين من كتاب أيّامى ., وشروعى بإذن الله في تصفُّحِ أُولَى سطور الفصل السادس والعشرين ., رأيتُ أنْ أُدَوِّنَ بعض الملاحظات التي أسفرت عنها قِراءَتى :

· بصفة عامة .. قابلت العديدَ من المُفردات الصعبة , وبعضها لم أتمكَّن من فهمه حتى الآن .

· قرأت سطوراً تتحدَّثُ عن أشياءَ لم أُجرّبها ... أشياء يدّعي الكتاب أنها رائعة وتستحق العيشَ من أجلها .. من أجلها فقط .. لا أدرى إن كنت سأعرفها وأُجرِّبها في الفصول اللّاحقة .. أم ستظل مجرد سطور أقرأها ولا أعلم مدى صدقها .

· بالطبع تمنَّيتُ تمزيق بعض الصفحات أو محو بعض الأجزاء من الكتاب ولكن لم أستطع لأن الصفحة منه لايمكن تغييرها بمجرّد أن نقلبها .. بل إنها تُحفَرُ في ذاكرتنا للأبد .

· توقّفت عند بعض الصفحات وقرأتها أكثر من مرة , لعلّي أعيها جيّداً أو أتّخذُ قراراً بشأنها .. واكتشفت إنها لم تكن تستحق كلَّ ذلك الوقت .. وأنها كانت أسهل وأوضح كثيرا مما تخيَّلت .

· حين أعبثُ بالصفحات الماضية من فصول كتابي .. وأنظرُ في صورها أو أفكِّرُ فيما كان سيحدث لو أنني تصرَّفتُ بطريقةٍ مغايرة , أكتشفُ مدى محدودية رؤيتى للأمور في حينها , وأُدرِك أن ما حدث كان هو بالفعل الأفضل لي .

· أُدرِكُ تماماً أن كتابي أكثر إمتاعاً وإبهاجاً _بكل مساوئه_ من كُتُب الآخرين (ولله الحمد) .. كما أُدرِك أنه بالفعل الكتاب المُناسب لي تماماً , وأنني لم أكن لأرغب في تغييره مهما كانت الظروف .

أثناء رحلتي مع كتابي .. قابلت العديدَ من الشخصيات .. أعجبني بعضُها , واحتقرت البعضَ الآخر .. ورغبت في تمزيقهم حتي لا يُعَكِّروا نقاءَ كتابي .. وآخرين زاد اعتزازي وفخري وتعلُّقي بالكتاب لمجرّد وجود أسمائهم عل صفحاته ... أدركت أنني في كل الأحوال تعلَّمت منهم وتأثرت بهم .. أحببتهم وسعدت بهم .. أتمنّى دائماً ألّا أفقدهم لأى سببٍ كان .. أما من أرفضهم .. فلا مكان في ذاكرتي يتّسع لهم .. وقد رحلوا كما جاءوا , شخصيّات ثانوية هامشيّة نفضتُها مع قَلبي لصفحة الكتاب التي تحويهم مثل الغبار الذي لايُرَى بالعين المُجرّدة .

مازلت حتى الآن أبحث عن الشخصية الرئيسية في كتابي .. بطل الأحداث الذي سيغيّرُ جزءاً من نظرتي للحياة .. أو يُثبِته !! .. ذلك الإنسان الذي قد لا يذكُرهُ كتابي قط .. أو قد تكون معظم الصفحات التالية تتحدّثُ عنه .... عنه فقط .

هذا الشخص الذي قد لا يتعدّى كونه عدة سطور في ملاحظاتي هذه , وقد لا يتجاوز كونه مجرّد خيال أو فكرة عابرة لاتلبث أن تذهب وتحلّ محلها أفكار أخرى لا علاقة لها بدور البطولة .

الإنسان الذي يُحيِّرُني مبدأ وجوده بقدر ما أتمنى لقاءه .. الإنسان الذي لم أقابله ولم أعرفه , ولاأدرى كيف سيكون أو يبدو أو يفعل .. هذا الذي لابد وأن يستحق احتلال كتابي وتفكيري .. هذا الشخص الذي سأعرف حين أنظرُ في عينيه لِمَ أحيا .

وبصفة عامة وشاملة ... أُحبُّ جميعَ الشخصيات التي ساهمت في إخراج ذلك الكتاب للضوء .. ولم يكن ليصبحَ بهذا التشويق والبهجة بدونهم .. مَن أحمدُ الله كل يوم لأني سأفتح عيناى غداً ... لأراهُم .

الآن ...

أتحرَّقُ شوقاً لمعرفة المزيدِ من كتاب حياتى ... وأتمنّى أن تأتي الفصول القادمة بما أرغب فيه .., وما لم أجده في الفصول السابقة .. وأدعو الله أن يعيننى علي استكمال كتابي ويلهمني الرضا بما تحمله صفحاته القادمة التي تكاد تلمسها أناملي ....

الآن فقط ... أبدأ الفصل السادس والعشرين من كتاب عُمرى


فدوى نزار


2 comments:

Basem said...

lama aret el kalam dah eftakart en men kam yom kont bafakar fi nafs el kalam bel zabt ... el so2al ba2a ..eshme3na fil fasl "el 7'ames el 3eshroon" ben7es be dah ..fe3lan lam yantabny zalek el e7sas men qabl fil sanawat el a7'era ...
ayan kan .. a7santy ta3beran w a7santy ketabatan ...
w laky an taf7'ary be kawnek a7ad el mawledeen fi shahr el 3ozamaa ...:D
w ataman an yakon al rob3 qarn el qadem 7'air men salefoh ..
ma3 ta7eiat sa7eb ketab a7'ar ..:D

Unknown said...

كل سنة وانتِ طيبة يا فوفتي ، وعقبال الفصل الخامس والعشرين بعد المئة الأولي إن شاء الله .
1- تدفعني القراءة ( الرشيدة ) لكتاب أيامك .. إلي التواصل الفلسفي مع ما أبدعتيه من أفكار ! فقد سعدت كثيرا بالأوصاف التي أطلقتيها علي هذا الكتاب ، والتي ...أكسبته عرضا وعمقا رغم طوله المحدود نسبيا ( 25 ) ربيعا فقط ! أما عن ارتفاعه .. فهو متروك لمدي اجتهادك في رسم معالم مستقبلك ، ومدي توفيق الله سبحانه وتعالي لك في تلك المهمة ، من هنا .. لزم التنويه إلي أن أغلب كتب الأيام حاليا .. ليست عميقة إطلاقا وإنما .. ضحلة جدا وسطحية وتافهة ومملة وتعيسة وغببية جدا جدا ، ومن ثم .. ليست مجهولة بالمرة بل شديدة الوضوح إذا ما أخذنا في الاعتبار منطقيا .. أن المقدمات هي التي تحدد طبيعة النتائج بشرط تساوي العوامل الأخري !
2- لاشك أن الاستمرار في تصفح كتاب الأيام .. ليس بالأمر اليسير ! ذلك أنه يستلزم قدرا هائلا من الاستعداد النفسي والاحتشاد والقدرة علي التعامل مع الموقف !! من هنا .. أعتقد أنك امتلكتي شجاعة المواجهة ، وتسلحتي بكل الآليات اللازمة التي أتاحت لك إمكانية تقبُل بقاء الصفحات التي رغبتي في تمزيقها أومحوها . وهي بالمناسبة .. تجبرنا علي احترامها بمجرد التوقف عندها لتأملها نظرا لما منحته لنا من دروس مستفادة تجعلها جديرة بالبقاء في الكتاب دون أن تسبب لنا أي قدر من الألم اللهم سوي قدر من الشجن النبيل !!
3- وعن إمكانية استبدال الكتاب بآخر يُحَقِق رغباتنا .. تحضرني مقولة كلما تذكرتها تجبرني علي إعادة التفكير فيها وهي :- إرضَ بما قسمه الله لك تكن أغني الناس . فهل الرضا بالمقسوم يعني الاستسلام للأمر الواقع ؟ لماذا لا نكون قانعين وفي نفس الوقت غير مقتنعين ؟ لماذا لا نسعي إلي الرهان علي ما هو آتٍ باعتباره سيكون من صنع أيادينا بالدرجة الأولي .. بدلا من الارتهان بما هوماضي لم يكن لنا أي دخل في اختياره أو تشكليل معالمه !
4- أما المفردات الصعبة .. فوحياتك يافوفا .. أنا نفسي رغم اجتهادي في سبر أغوار العديد منها .. أقسم أن بعضها ما زال في حُكم الطلاسم قد يأذن الله برحيلنا قبل أن نفهمها ! ومع ذلك .. علينا التعامل معها بأكبر قدر من ادعاء الفهم لأن قيمة الإنسان في اعتقادي تتحدد .. بقدر ما استوعبه من معان ٍ لتلك المفردات ، وبقدر ما أنجزه من حسم للعديد من التراكيب المشتبكة في لغة هذه الحياة .. اللغز .
5- وفيما يتعلق بالصور .. فلاشك أن النظر دائما من خارجها .. يتيح رؤيً أكثر وضوحا ، وأن انغماس القدم في مستنقع بعض تلك الصور .. يعرقل الرؤية تماما بل يستبقيها تحت القاع !
6- لم يبق يا حبيبتي .. سوي الشخصيات التي نحتقرها . أعتقد .. أنه يتعين علينا أن نوجه لها الشكرلأنها منحتنا من خلال التعامل الإجباري معها .. فرصة اختبار مدي أصالة وصلابة المعدن – أو إن شئت الدقة – السبيكة التي تتكون منها شخصياتنا نحن . أليس كذلك ؟
7- طبعا .. لم أكن لأنهي تعقيبي علي كتاب أيام ابنتي .. قبل أن أتوقف عند الشخصية الرئيسية فيه ، من تصفيه ببطل الأحداث الذي يستحق احتلال كتابك وتفكيرك بل والذي ستعرفين عند النظر إلي عينية لم تحيي . المسألة هنا فيها قولان - علي رأي فقهاء المسلمين – فأنا كأم .. أتمني أن أعرف بدوري هذا البطل وأري ابنتي سعيدة معه رغم إشفاقي عليها من تبعات المسئولية وتداعيات احتلاله لكتاب أيامها بل ولتفكيرها ! وأنا كزوجة سبق لها خوض التجربة حتي النخاع .. أتمني أن تبقي صفحات كتاب أيام أي فتاة في هذه الحياة الدنيا .. تحت سيطرتها الشخصية تماما ، وأن تعيش دماغها وتصرفاتها حرة مستقلة ! أكيد في حدود ما تربت عليه من مبادئ وقيم دينية وأخلاقية . لماذا ؟ لأنني أثق في أن النظر بعد ما يربو علي الربع قرن من زواج أي فتاة في عيني بطل أحداثها .. سيجعلها تعرف لِمَ تموت !! ببساطة .. من شدة الضغط علي عاتقها بكل أنواع الهموم بما في ذلك هم القلق علي الحبيب .. البطل !!!!! ألا هل بلَّغت ؟ اللهم فاشهد .