Friday, December 11, 2015

الحَد الآخر للكتابة


بلا شك الكتابة سلاح ذو حدّين .. فهى وسيلة رائعة للتعبير الفورى عن أى شعور يملأ الكاتب بطاقةٍ ما سواء سلبية أو إيجابية فيُفَرِّغ هذه الطاقة من خلال التعبير عنها ببعض الكلمات التى قد لا يستطيع لسبب أو لآخر النطق بها - شخصياً , لا أعرف كيف كنت لأتغلب على مصاعب الحياة دون أن ينعم علىّ الله بنعمة الكتابة - وبالتالى يُعَدّ هذا هو الجانب المُشرق من كون المرء يستطيع التعبير المكتوب عما يدور فى خُلده من أفكار ومشاعر وآراء

الحد الآخر - الجانب المُظلِم - والذى لم أدركه إلا مؤخراً , هو كون كل ما تكتبه يدك ستُحاسَب عليه , سيؤخذ كقرينة ضدك - حتى لو كتبته من سنوات طويلة أو حتى لو تغيّر رأيك أو تبدّلت مفاهيمك للموقف - كأن يأتى شخص ما فى زمن ما ويُقسم بأغلظ الأيمان أن الدكتور مصطفى محمود مُلحِد والدليل كتاباته أثناء مرحلة "الشك" فتدافع أنت عن العلّامة الجليل وتُقسم أنّ الله هداه وأخرجه من الظلمات إلى النور وأنه وصل لمرحلة "اليقين" بعد ذلك , فتجد ذلك الشخص وقد عُمى قلبه ويرفض الاقتناع بأن مفاهيم المرء وقناعاته بل وعقيدته قد تتغير بمرور الزمن
 
 يعنى أنا مثلاً لو تزوجت فى يومٍ ما وقرأ زوجى مدونتى , سيقول لى "بقى انتِ شايفة الجواز زى عقوبة السجن المؤبد " , " بقى انتِ رأيك عن الجواز إنه قيد وكبت للحرية وإن الراجل الشرقى ابن لذينَ رجعى " .. وهكذا , ووقتها قد تهتز ثقته فى كونى راضية بحياتى معه (رغم أنى بالفعل لن أتزوج من لا أرضى وأسعد بالحياة معه) لكن طبقاً لكتاباتى منذ سنوات سيتأكد أنى كارهة للرجال ك "نوع" ورافضةً للزواج ك "مبدأ" ومُرَحّبةً بظل "الحيطة" أكثر من ظلّ "الراجل" طالما أن الحائط "مش هايزهّقنى ف عيشتى زى الراجل" .. وقد ينتهى الأمر - فى حالة كونه أعمى القلب - بأن يرفض تصديق أن آرائى تغيرت أو موقفى تبدّل بعد التجربة العملية أو بعد أن وجدت شخصاً أثبت محدودية نظرتى أو نظريّتى فى الحياة الزوجية - دة مجرد مثل لأن نظرتى حتى الآن لم تتغير بعد - وبالتالى قد يظهر الحد الآخر السلبى للكتابة فى كونها وسيلة لتدخُّل الآخرين فى ماضيك وتاريخك واستخدامهم ضدك - لسبب لا أعلمه - بل والجدال معك فى موضوع قتلته الأيام بحثاً من قبل ولكنك مُطالَب ببعثه من جديد والدفاع عن موقفك تجاهه وإثبات أنك تغيّرت مع الزمن واكتسبت خبرات مختلفة غيّرت منك ومن آرائك 

الكتابة بهذا كما كانت وقتها وسيلة تعبير وتفريغ للطاقات والمشاعر ستصبح بعد عدة سنوات سبباً ومجالاً لاستنفاد الطاقات وإرهاق المشاعر وإدراك قول الله عزّ وجلّ "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" وبالتالى تبدأ أنت فى التفكير جدياً فى اعتزال هؤلاء الأشخاص , سعياً منك للوصول إلى الراحة النفسية والسلام والسعادة وتوفيراً منك لما تبقى لديك من طاقات لا ترغب فى إهدارها دفاعاً عن شخصٍ كُنتَهُ يوماً ما

بالنسبة لى , لم ولن أندم أبداً على أى سطرٍ كتبته فى أى مرحلةٍ عشتها , فأنا من كتبت حتى ولو تغير رأيى , ولم ولن أعطى الحق لأحد لمحاسبتى , فالله وحده من يحاسب البشر وكونه سبحانه وتعالى يحاسب الناس على نيّاتهم ويعلم ما تُخفى صدورهم فلن يظلمنى أو يظن فى ظن سوء - حاشا لله - كما يفعل البشر . ولم ولن أدع طاقاتى تفنى فى أحاديث لا طائل لها , ولم ولن ولا أرغب فى أن يرى الآخرين ما فىّ من خير , فرؤيتهم تخصّهم ... ورغبتهم فى إخماد جذوة انطلاقى وإطفاء بريق عينىّ لن يضُرّ أحداً سواهم , فالحياة ليست تحدٍ والبقاء فيها ليس لمن يُهلِك الآخر , بل البقاء لمن يحتوى الآخر ويُحلّق معه ويخلقان معاً درعاً من السعادة والطاقة الإيجابية يصدّان به كل مصاعب الحياة

اللّهم أدم علىّ نعمة الكتابة


فدوى نزار

1 comment:

Unknown said...

الفيسبوك بيعرض كل يوم احنا كنا كاتبين اية من سنين
واكيد كل واحد وهو بيقرا كلام كتبه بايده
بيقول ياااه انا اتغيرت كتير
طبيعى جدا اللى اكتبه النهاردة ممكن يفضل نفس رأيى بكرة
وممكن يتغير الله أعلم
فأنا شايف اللى يعلق على حاجة زى كدا يبقى هو عنده مشكلة فعلا
ومع كتاباتك القديمة كلها بخصوص الرجل والزواج
المفروض اللى ربنا يكتبهولك يوكون زوجك فى النهاية
يكون فخور انه قدر يغير وجهة النظر دى
مش لسه هيقعد يناقشك فيها