Sunday, January 20, 2008

سوف أصبح كاتبة

مرت سنوات عديدة كنت خلالها أحاول كأي إنسان في مرحلتي العمرية أن أستكشف نفسي .. نعم , أسعي لمعرفة رغباتي وأهدافي .. أرسم ملامح طريقي الذي يخدم توجهاتي وميولي .. وأثناء رحلتي الاستكشافية صادفت أشكالا من الهوايات والمجالات والنشاطات المختلفة , مما جعلني أعتقد أني أفتقد الهدف .. فتارة أحب الأرقام وألعاب الذكاء وتارة أهوي الشعر وكتابة الخواطر .. حين أنساق في موجات القراءة .. وأحيان أخري في درب تصميم الحلي من أبسط الوسائل المتاحة مثل الخرز ... مرات أتحفز لممارسة الرياضات العنيفة ومرات للتأمل في المجهول بحثا عن فكرة أسطرها في مفكرتي ... أوقات تسيطر علي مخيلتي فكرة الالتحاق بكلية الآداب لدراسة اللغات وأوقات مثلها أقدم أوراقي بنفسي لكلية الهندسة .

اعتقدت كنتيجة لذلك أني كائن هوائي سيظل يسبح مدي الدهر في دوامة التخبط , وأني لن أصل ما حييت لهدف محدد أبذل من أجله النفس والنفيس , وسأبقي أدور في حلقة البحث عن الذات حتي تضيع مني ملامحي قبل أن أدرك حقيقة توجهاتي ورغباتي ... ودون أن أصيغ طريقي في الحياة .

أعترف أني لا أعترض علي الطريقة التي عشت بها .. ولم أندم إطلاقا علي ممارسة أي هواية أو الاحتكاك بأي مجال , لأن الواقع أني استفدت من كل درب سلكته أو تجربة خضتها , كما أنني طرقت تلك الأبواب بكامل إرادتي وبكل حب وشغف , نعم أحب الأرقام , وألعب السودوكو بانتظام ودأب , نعم أهوي الشعر وأكتب الخواطر , نعم أتوحد مع كل كتاب أقرأه وأيضا أعشق دمج الخرز لتشكيل سمفونية ممتعة تزين معصمي , نعم أتوحش في مباراة كونج فو ساخنة لإحراز شهادة البطولة بينما أشبع نهم قلمي للكتابة عن طريق رسائلي لبعض الصحف أو للمدونة التي أشارك فيها , وحقا رغبت في الالتحاق بكلية الآداب وانتسبت لفريق المهندسين ... فبالتأكيد ليس هذا تخبط أو تضارب , لأنني عشقت كل ما فعلته , ولكن قد تكون أوجها مختلفة لنفس العملة , قد أكون الإنسانة الحالمة وفي ذات الوقت الفتاة العملية , وهذا هو التفسير الوحيد الذي أحب انتهاجه .. انتهاج الطريقين في آن معا .

ولكن منذ أيام .. جاء لي التفسير دون مقدمات .. فجأة وجدت من يشرح هذا التذبذب ويحلل شخصيتي دون قصد ودون طلب مني .. فقد كنت يوم الخميس الماضي في قاعة المؤتمرات أحضر ملتقي التوظيف الذي أقامته "وظائف مصر" .. وهناك جلست في محاضرة عن التفكير الإبداعي _ أحد مجالات دراسة المهارات الشخصية _ وفيها أخذ المحاضر الشاب يشرح لنا تكوين مخ الإنسان , ومنها الفصين الأيمن المسئول عن الخيال والفن والإبداع , والأيسر المسئول عن الأرقام والحسابات والمنطق .. فالإنسان الذي يتجه للحسابات يكون بهذا ينمي فصه الأيسر ومن يتجه للفن والخيال فهو ينمي فصه الأيمن .. أما المفروض فعله هو تنمية الفصين معا مستندا في هذا علي كون كل العلماء العرب وغيرهم من أمثال دافنشي وأينشتين لم يكونوا فقط علميين بل كانوا أيضا فنانين , ومعظم اختراعاتهم أتت نتيجة تخيلهم لأشياء لم تكن تعرفها البشرية حينها .. وبالتالي فهم نمُّوا فصيهم الأيمن والأيسر علي التوازي , وعند هذه اللحظة انفرجت أساريري ومررت ببرهة انشكاح _مش علي أساس إني والعياذ بالله بشبه نفسي بالعلماء _ ولكن علي أساس أني أدركت الآن خير اللهم اجعله خير أن لدي فصين أيمن وأيسر وكلاهما يعمل بكفاءة والحمد لله .. وأني مش هوائية ولا مجنونة .. وأني قد أكون انتميت لشعبة الهندسة , ولكن مازلت أدعي أني يوما ما سوف أصبح كاتبة .


فدوى نزار

No comments: