Monday, January 28, 2008

الجدار


كانت صغيرة , خائفة , ترتعد أوصالها في مواجهة كل ما هو جديد عليها , وكان أملها الوحيد في النجاة هو جدار قديم تستند إليه لكي تشعر بالأمان وتبتعد عن أعين وأيدي من يؤذيها من بني البشر .. ورغم حالها التعيس إلا أنها كانت تتصف بكل معاني ومقومات الجمال , فهي قطة ناصعة البياض , كثيفة الفراء , زرقاء العينين , تظهر عليها ملامح الأصالة والعراقة _ كإنسان كان ينتمي لعائلة راقية ولكن بدلت حاله الأيام _.
لم تعلم هذه القطة أن جمالها سيكون سبب رفاهيتها , فذات يوم وهي تستدفئ بالجدار القديم رآها رجل عطوف أعجبه شكلها ورق لحالها , فقرر حملها إلي منزله .. عرفت معه المعني الفعلي للحب والحنان والصداقة , وعاشت في كنفه أسعد أيام عمرها , وكانت من حين لآخر تتذكر الجدار القديم الذي طالما احتواها ودفع عنها أهوال حياتها .. وفجأة .. أصيب صديقها الإنسان بمرض أجهز عليه في أيام قليلة , فرحل تاركا قطته المسكينة تواجه مصيرها بنفسها .
ومن جديد صارت القطة وحيدة كما كانت .. خائفة , ترتعد .. عادت لتواجه مشاكسات الأطفال وملاحقتهم لها , عادت لتهرب من إيذاء المستهترين من بني البشر , لا تملك من حطام عمرها سوي ذكري صديق حنون لم تدم أيامها معه أكثر من سنوات قصيرة ... وأثناء سيرها إلي المجهول تذكرت حارسها ورفيق وحدتها .. الجدار القديم .. وأخذت خطواتها تتسارع , وذاكرتها ترسم لها طريق الذهاب إليه .. ركضت نحو مكانه بكل ما لديها من قوة وعزم .. اقتربت من المنطقة المنشودة .. هاهو الشارع الذي يسكن فيه الجدار .. هاهو يظهر من بعيد .. نعم .. لقد وجدته .. وجدت الجدار القديم .. وقد حولته الأيام إلي كومة من الأحجار المنهارة وبعض ذرات من الأتربة المتناثرة تعصف بها الرياح المتلاحقة كما تعصف بآخر آمال القطة في الشعور بالأمان .

فدوى نزار

No comments: